قامت السلطات النقدية الإماراتية الممثلة في "المصرف المركزي" منذ المراحل الأولى لـ"الأزمة المالية العالمية" برصد كمية كبيرة من السيولة تقدر بنحو 120 مليار درهم ووضعها في خدمة قطاعها المصرفي وفي متناول أيدي المصارف العاملة به، ما عزز القدرات المالية للقطاع وجنّبه نوبات اضمحلال السيولة. وتفاعل "المصرف المركزي" مع انكشاف المصارف على المقترضين المتعثرين مثل مؤسستي "سعد" و"القصيبي" فقد تبنّى عدداً من الإجراءات التي مكّنت القطاع من تخطي تلك الأزمة، فقام بتعديل بعض البنود المتعلقة بنظم الرقابة المالية والمصرفية ونظم الدفع وقواعد الانضباط المؤسسي، وأقرّ قواعد جديدة لحوكمة الشركات، تتضمن توفير مبادئ ومعايير للتقويم والاختيار بين المؤسسات والشركات، وتطوير قدرات المصارف على الوصول إلى رؤوس الأموال الخارجية. وفي الإطار نفسه، فقد تعهد "مصرف الإمارات المركزي" بضمان الودائع لدى المصارف العاملة لديه، الأمر الذي أوجد حالة من الارتياح لدى أصحاب هذه الودائع من المتعاملين مع المصارف، وشجعهم على الإبقاء على ودائعهم والاستمرار في التعامل مع المصارف دون تخوّف من احتمالات تعثرها، وعدم القيام بسحب الودائع الأمر الذي كان سيؤدي في حال حدوثه إلى تراجع شديد في الملاءة المالية للمصارف، وانعكست هذه الثقة في معدلات الزيادة الملموسة في حجم الودائع لدى معظم البنوك الوطنية حسبما كشفت إحصاءات رسمية مؤخراً. وقد لعبت هذه الإجراءات الدور الرئيسي في إنقاذ القطاع المصرفي الإماراتي من تداعيات "الأزمة المالية العالمية"، وولّدت انطباعاً لدى المؤسسات العاملة في القطاع المصرفي والمتعاملين معه بأن السلطات النقدية في الدولة على استعداد تام ودائم للتفاعل بمرونة وسرعة مع أي تطورات قد تضرّ بالقطاع قبل تفاقمها، ورسخ ذلك حالة من الطمأنينة والثقة في القطاع بوجه عام، وهو ما انعكس بشكل عام على مؤشرات أداء القطاع المصرفي خلال العام الماضي، حيث ارتفعت معدلات كفاية رأس المال في القطاع بوجه عام، وتقلصت الفجوة بين القروض والودائع، كما شهد ذلك العام عودة المصارف إلى منح الائتمان من جديد، وهي وإن كانت عودة ضعيفة إلا أنها تمثل بداية مبشرة للعام الجديد الذي يتوقع أن يشهد توسعاً ملحوظاً في هذا الاتجاه. وفي متابعة للجهود التي يبذلها "المصرف المركزي" لضبط أداء قطاعه المصرفي في وقت الأزمات، أعلن المصرف، مؤخراً، بعض التعديلات في القواعد المعمول بها لدى المصارف في تصنيف القروض ومستويات المخاطرة المترتبة عليها، وقد اتجهت هذه التعديلات في مجملها نحو اتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر في التعامل مع القروض بمختلف تصنيفاتها، بخاصة القروض غير المضمونة والتعاملات الأكثر مخاطرة مثل رأس المال المغامر، والعقارات الممتلكة في تسوية ديون متعثرة. وتعكس هذه التعديلات مدى حرص "مصرف الإمارات المركزي" على حماية نظامه المصرفي من أي أزمات محتملة في المستقبل، خاصة أنه ليس من المستبعد أن تشهد الفترة المقبلة بعض الانتكاسات في تعافي الاقتصاد العالمي، وقد تقترن هذه الانتكاسات بانكشاف بعض المؤسسات المالية والمصرفية على القطاع العقاري ببعض الدول، وفي الأحوال كلها فمن المتوقع أن تسهم التعديلات التي أقرّها "المصرف المركزي" بشكل كبير في حماية المصارف العاملة في الدولة كل على حدة ومن ثم الجهاز المصرفي في الدولة، من سلبيات أي انتكاسة قد تحدث في العالم خلال الفترة المقبلة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية