في عددها الأخير لشهر مارس/ إبريل نشرت دورية "آفاق المستقبل" تحقيقاً تضمن مقابلات مع ست شخصيات تمثل التيارات السياسية الفلسطينية الأساسية بما في ذلك حركتا "فتح" و"حماس"، والنتيجة اللافتة في حديث هذه الشخصيات هو أنّه بينما يمثل الخلاف على السلطة سبب الشقاق الأساسي، فإنّ هناك تقاربا حقيقيا في المواقف السياسية بعيدة المدى بشأن تعريف الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، بل وحتى حول سبل وأدوات العمل المرحلية. فقد عرّف قياديان بارزان في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، المرحلة السياسية الراهنة بأنّها هي مرحلة "تحرر"، وبأنّ حركتهم لا زالت "حركة تحرر" تقوم على فكرة المقاومة، وبأنّ تأسيس الدولة أو إقامة السلطة أمر يتلو زوال الاحتلال وليس العكس، وأنّ مشروع بناء الدولة الفلسطينية على أرض الواقع الذي تتبناه حكومة سلام فيّاض، المدعومة من "فتح" ليس سوى جزء من آليات العمل. والواقع أنّ هذا التعريف يعبّر عن قراءة ومراجعة نقدية للمرحلة السابقة، يتوسع تبنيها تدريجيا داخل أروقة حركة "فتح" وخصوصا في المجلس الثوري للحركة. ويتضح للمراقب لكثير من تصريحات بعض قيادات الحركة، وأبرزهم الدكتور نبيل شعث، والدكتور محمد إشتية، والدكتور صبري صيدم وآخرون التركيز الشديد على تطوير مفهوم المقاومة الشعبية شعارا للمرحلة، وهو ما يعكس تشخيصاً مفاده أنّ فرص المفاوضات في هذه المرحلة محدودة، وأنّ خيار الكفاح المسلح في المدى المنظور خيار غير حقيقي. وهذا الموقف يلتقي مع موقف "حماس" الذي عبّر عنه قيادي في الحركة في تحقيق المجلة المذكور، بإشارته أنّه بينما لا زالت حركته ترفع شعار المقاومة، فإنّ هذه المقاومة في هذه المرحلة "غير ممكنة" وإن كان يؤكد حتمية العودة لها. وهو موقف ينسجم مع مسيرة الحركة في العام الأخير حيث توقفت العمليات العسكرية بشكل شبه تام. هذان الرأيان يعكسان تقارباً بين الفصيلين الفلسطينيين الأساسيين على أساس حفظ الحق في المقاومة. كذلك يقترب الموقف العملي لحركة "حماس" من مسألة تعريف القضية الفلسطينية من التعريف التاريخي الذي بلورته حركة "فتح"، وهو التعريف الوطني، أي إعطاء البعد الفلسطيني الخاص أولوية على الأبعاد العربية والأممية، إذ تقر "حماس" الآن، وعلى الأقل في الظاهر ومرحليا، بأنّها تقبل أطر عمل لا تتضمن عملية أسلمة، إذ أنّ الحركة طالبت بأسلمة منظمة التحرير الفلسطينية سابقا، ولكنها تخلت عن هذا الطلب ووافقت على سبيل المثال على اتفاق "القاهرة" عام 2005 لإصلاح المنظمة يتضمن انضمامها لها دون أن يتحقق مطلبها هذا. وقد وجدت الحركة نفسها معنية مؤخرا، وأمام استفسارات سعودية، أنّ تؤكد تعريفها العروبي للقضية الفلسطينية. هذا التقارب النظري والفكري له أبعاد مهمة، يمكن لمن يرغب بالمصالحة من داخل الحركتين أن يستغله، بعيداً عن معركة الاستئثار بالزعامة والسلطة. وقد كانت "حماس" قد أعلنت مؤخرا عزمها إعلان برنامج سياسي جديد، وسيكون تضمين مثل هذه الأفكار دون مواربة في برنامجها خطوة مهمة على طريق تقديم طرح واقعي عملي. وربما سيكون لبلورة مفهوم المقاومة الشعبية والتركيز على تمسك فتح باعتبار المرحلة مرحلة تحرر تتطلب برنامجا متكاملا للمقاومة، سبيلا لجسر الهوة بين الطرفين، وإذا ما تمت الزيارة التي أعلن عن عزم قيادات في المجلس الثوري لحركة "فتح" القيام بها قريباً إلى قطاع غزة فإنّ مثل هذه الأفكار يمكن أن تشكل بداية نقاش استراتيجي بين الحركتين يؤسس لوحدة وطنية فلسطينية.