أن يدافع مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجماعة "الإخوان" في مصر، عن النفوذ الإيراني في المنطقة ويعلن تأييده للبرنامج النووي لإيران (حتى لو كان بغرض إنتاج قنبلة نووية)، فهذا أمر يمكن فهمه في إطار علاقة تحالف الجماعة بإيران ووقوفها في صفها ونكاية بالنظام السياسي المصري، وقد سبق لعاكف أن صرح أن "وقوفنا مع إيران بديهي" إضافة إلى تأييدهم تنظيمات دينية مسلّحة تنازع السلطات الشرعية في دولها وتحمل مشروعات انفصالية مثل "حزب الله" في لبنان، و"حماس" في فلسطين، وجماعة الحوثيين في اليمن. أما تأييد البرنامج النووي الإيراني، فهذا -أيضاً- يمكن تبريره في سياق أن إيران هي الممول والداعم لهذه الجماعات. وكذلك أن يبادر كتُّاب ومحللون عرب وخليجيون للدفاع عن برنامج إيران النووي وتأكيد سلميته ومحاولة إقناعنا بأن كل ما يقال عن خطورة النووي الإيراني مجرد دعاية غربية وعلينا أن لا ننساق لها وأن الوجود الأميركي بالمنطقة هو الذي يشكل مصدر الخطورة على الخليج... فهذا يمكن تفسيره ومعرفة دوافعه على خلفية اعتقاد هؤلاء أن إيران النووية ستكون عامل توازن للقوى لصالح المنطقة، ولا أدل من تحوُّل مفكر بعثي عريق مثل (مطاع صفدي) إلى صفوف اللوبي العربي المنبهر بالنموذج الإيراني. فدفاع كل هؤلاء عن البرنامج النووي الإيراني ومحاولتهم ركوب موجته أمر يمكن تبريره في ظل حالة الإحباط العامة ونشاط آلة الدعاية الإيرانية وما تشكله حالة استلاب الوعي لدى بعض كتُّابنا. لكن ما يحيرنا ويدهشنا ويدفعنا للتساؤل: ما دوافع ومسوّغات تحول بعض الكتاب والمحللين الغربيين والأميركيين الذين أصبحوا مدافعين ومبررين لتملك إيران للسلاح النووي؟ هؤلاء برزوا للساحة الدولية مؤخراً محاولين إقناع حكوماتهم وشعوبهم بحسنات حصول إيران على القنبلة النووية بالنسبة لمصالحهم، ومن هؤلاء المتحمسين باتريك سيل، الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، والذي كتب مقالاً في "الحياة" اللندنية مؤخراً بعنوان "ذعر خطير من برنامج إيران النووي"، لخّص فيه إيجابيات أن تصبح إيران دولة نووية، وذكر منها: 1- تحقيق الاستقرار في المنطقة، نظراً لأن إيران النووية ستكون عامل توازن للقوى مع إسرائيل وبالتالي تستطيع أن تساهم في فرض الاستقرار. 2- كبح جماح السلوك العدواني لإسرائيل ضد جيرانها والفلسطينيين. 3- تشجيع إسرائيل ودفعها إلى إبرام صفقة سلام مع الفلسطينيين والعرب. لكن المحلل البريطاني لم يوضح لنا: كيف يمكن لإيران النووية أن تساهم في الاستقرار وهي اليوم وبدون قنبلة نووية دولة مقلقة لدول المنطقة وشعوبها؟! وما علاقة كبح العدوان الإسرائيلي بقنبلة إيران؟ لماذا لا يكون العكس هو الصحيح؟ لماذا لا يكون السباق النووي الإيراني عاملاً في زيادة عدوانية إسرائيل وبخاصة أن الأخيرة تهدد بتفجير الوضع وإجهاض المحاولة الإيرانية؟! لماذا لا يكون حصول إيران على النووي معناه القضاء على أي أمل في حل النزاع سلمياً؟! أما آدم لوثر المحلل لشؤون الدفاع في معهد أبحاث القوات الجوية الأميركية، فقد كتب مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز" ونشرته "الوطن" السعودية بتاريخ 15 فبراير المنصرم، معدداً سبعة عوامل يرى أنها ذات مردود مفيد بالنسبة للولايات المتحدة فيما لو سمحت لإيران بامتلاك السلاح النووي. أولاً: حصول إيران على السلاح النووي، يوفر فرصة للولايات المتحدة للتعاون معها من أجل إلحاق هزيمة نهائية بالمجموعات الإرهابية العربية السنيّة التي تنتهج العنف مثل "القاعدة". ثانياً: لما كانت إيران النووية ستشكل تهديداً للدول المجاورة وليس لأميركا فإن هذا يوفر لأميركا فرصة أن تساوم دول المنطقة على توفير مظلة نووية لحمايتها مقابل إدخال تلك الدول إصلاحات سياسية واقتصادية على أنظمتها المسؤولة عن إفراز العنف والإحباط في المنطقة ومن أبرز تجلياتها هجمات 11 سبتمبر. ثالثاً: تستطيع الولايات المتحدة إذا أصبحت الضامن الرئيسي للأمن الإقليمي في المنطقة، كسر احتكار منظمة "أوبك"، إذ يمكن لأوباما أن يقايض الأمن مقابل زيادة الإنتاج وخفض أسعار البترول العالمية. رابعاً: ستزداد صادراتنا للسلاح وبالتالي التدريب لحلفائنا في المنطقة مما ينعكس إيجابياً على موازنة البنتاجون وعلى الوظائف الأميركية، المنخفضة حالياً. خامساً: إن من شأن السماح لإيران أن تصبح قوة نووية، وقف تدفق الدولار إلى الأنظمة في المنطقة، ليس فقط من خلال تخفيض عائدات النفط وتصدير الأسلحة بل -أيضاً- إجبار دول المنطقة على دفع "الكلفة" الحقيقية للحماية الأميركية لها. سادساً: التعاون مع إيران النووية يحقق الانتصار على الإرهاب، وهذا سيوفر على أميركا عشرات بلايين الدولارات التي يتم إنفاقها على مكافحة الإرهاب. سابعاً: إيران النووية تشكل تهديداً للإسرائيليين والفلسطينيين معاً، لأن من شأن توجيه ضربة نووية لإسرائيل، إلحاق الدمار بالفلسطينيين أيضاً، وهذا الشعور المشترك بالخطر سيكون عاملاً مساعداً في المصالحة بينهما وتحقيق سلام نهائي في المنطقة. تلك بعض أبرز تحليلات هؤلاء الكتاب الغربيين، لكنها كلها قائمة على فرضية وهمية، إذ أغفلت تحليل طبيعة النظام السياسي الإيراني الذي تدعو للتعامل معه، ولم تتساءل ما إذا كان يمكن تأهيله للتجاوب مع هذه الاستنتاجات التي تصل إليها تحليلاتهم، وهم بالطبع ينطلقون من أن النظام الحاكم في إيران، نظام طبيعي مثل بقية الأنظمة السياسية. كما ينطلق هؤلاء من فرضية ترى أن النظام الإيراني بحصوله على النووي سيكون مؤهلاً، وسيغير سياسته في المنطقة، وسيكون عوناً لأميركا والغرب في حماية مصالحهما، وهذا وهم كبير ناشئ عن جهل أكبر بطبيعة النظام الديني العقائدي. كما تغفل تلك التحليلات نقطة جوهرية أخرى، إذ هب أننا تعايشنا مع إيران النووية، فهل تتعايش معها إسرائيل؟ وما الضامن لعدم تحرك الأخيرة وقلب الطاولة ونسفها لهذا السيناريو الحالم؟!