الحفاظ على الثروة المائيّة، وترشيد استهلاكها، وحسن إدارتها، من الأمور التي تنطوي على أهميّة كبيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، خاصّة في ظل قلّة المخزون المائي العذب، ووقوع الإمارات جغرافياً في منطقة جافّة قليلة الأمطار. في هذا السياق تأتي أهميّة ما كشف عنه الدكتور راشد بن فهد، وزير البيئة والمياه، مؤخراً، في التصريحات التي نشرتها صحيفة "الاتحاد"، أول من أمس، عن أن الوزارة تعمل حالياً على إنجاز الخطّة الوطنية المتكاملة للمحافظة على الثروة المائية، بالتعاون مع "المركز الدّولي للزراعة الملحية"، ومن خلال فريق من الخبراء يضمّ خبرات عديدة في مجالات الإدارة المتكاملة للموارد المائيّة، على أن يتم الانتهاء من إعداد هذه الخطّة في منتصف العام الجاري. إن وجود خطّة متكاملة لإدارة الموارد المائية في دولة الإمارات العربية المتحدة، يكتسب أهميّته من العديد من الاعتبارات، أولها، أنه في ظلّ التطوّرين الاقتصادي والاجتماعي الكبيرين، وخطط التنمية المستدامة والشاملة في الدّولة، إضافة إلى الزيادة المطّردة في عدد السكان، هناك تصاعد في الطلب على المياه بشكل كبير. وفي هذا السياق، فإن إحصاءات وزارة البيئة والمياه تؤكّد أن حجم الطلب على المياه سوف يصل إلى نحو سبعة مليارات متر مكعّب في عام 2020، مقارنة بنحو خمسة مليارات متر مكعّب حالياً. ولا شكّ أن هذه الزيادة في الطلب تقتضي خططاً ورؤى واضحة للتعامل معها، تقوم على أساس الإدارة الرشيدة لمصادر المياه المتاحة. الاعتبار الثاني، هو أن التقديرات والإحصاءات تؤكّد أن دولة الإمارات من أكثر الدول في العالم من حيث معدّل استهلاك الفرد للمياه، حيث يصل هذا المعدل إلى نحو 350 متراً مكعّباً يومياً، ولا يتفوّق على الدولة في هذا المعدل سوى الولايات المتحدة الأميركية وكندا. وإذا كان معدل استهلاك المياه بالنسبة إلى الفرد الواحد يعدّ أحد المؤشرات التي يستدل بها على مستوى المعيشة في الدول المختلفة، فإن ارتفاع هذا المعدل بشكل غير طبيعي يعني أن هناك استهلاكاً غير مرشّد للمياه يحتاج إلى التعامل معه ومعالجته، لأن الأمر يتعلّق بمورد حيويّ يتصل بالحياة نفسها. الاعتبار الثالث، أن الاستهلاك الجائر للمياه، خاصّة المياه الجوفية، يؤدّي إلى نتائج سلبية على مستويات عديدة، فهو من ناحية يستنزف هذه المياه بشكل كبير، ومن ناحية ثانية يؤدّي إلى تلوثها وتملّحها مع مرور الوقت. وفي هذا الإطار، فإن التقديرات تؤكّد أن الزراعة تستهلك نحو 80 في المئة من مخزون المياه الجوفية، وهذا يستدعي إعادة النظر في أساليب الري المتّبعة، بحيث يتم الاعتماد على تلك التي تضمن استهلاكاً أقلّ للمياه في مجال الزراعة. وهناك تحذيرات مختلفة من حروب تندلع بسبب المياه في منطقة الشرق الأوسط، بالنظر إلى قلّة الموارد المائية فيها، وزيادة عدد السكان، وهذا الأمر يعكس في أحد جوانبه مدى الأهميّة المستقبلية لهذا الملف، ولذا فهناك حاجة إلى رؤى مستقبليّة تقوم على توفير الموارد المائية اللازمة لحاجات التنمية، وإدارة استخدامها بشكل سليم، وهذا ما تقوم به دولة الإمارات حالياً من خلال العمل على أكثر من مستوى، سواء تعلّق الأمر بالتوعية بترشيد الاستهلاك، أو توفير الطاقة المتجدّدة اللازمة لعمليات التحلية، أو الإدارة المتكاملة لقضية المياه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية