انعقدت في الدوحة على مدار يومي 17 و18 من شهر فبراير الماضي، ندوة حملت عنواناً مركَّباً هو: الأنا والآخر ودور التراث في ذلك. وقد دُعيتُ إلى هذه الندوة، فقدمتُ بحثاً محْورتُ فيه العنوان المذكور تحت عنوان أكثر إفصاحاً، هو: جدلية الأنا والآخر ودور التراث في ذلك، على ضوء مشروع عربي نهضوي. والحق، إنه بالرغم من كوْن هذا الأمر مسألة مطروحة بمفرداتها الجزئية الواردة فيها، فإنه يمثل حالة إشكالية في "الأنا-العرب" والآخر-الغرب تحديداً". لقد قدمنا محاولة بحثية وضعنا يدنا فيها على واقعة تاريخية بقدر ما هي ذات شأن في تاريخ العلاقات بين الفريقين المذكورين، فإنها غائبة نسبياً في البحث التاريخي المتعلق بهما، بل لعلها كذلك مغيَّبة في أحوال أخرى، وكأنها لم توجد. نعني بذلك المعوقات التي تكونت بين الحضارة العربية الإسلامية الوسيطة وبين الغرب في حينه، والتي أنتجت بنية ثقافية حضارية ذات طابع مركّب. وكونُها انطوت على هذا الطابع المركب، يعني أنها تألفت من عدة أنساق وأنسجة بعدّة مرجعيات. المهم في هذا أن التعددية الحضارية الثقافية، هي التي جسّدت الحضور الحضاري الثقافي العربي الإسلامي، بحيث لم يعد الحديث وارداً عن أحادية بنيوية لهذا الحضور. ومن ثم، سنجد أنفسنا أمام عملية من المثقافة بين الأنا والآخر (العرب والآخر) تمتد على عدة قرون، ربما من القرن الثامن إلى القرن السابع عشر. كان ذلك حالة نموذجية من التثاقف بين شعوب متعددة في الشرق والغرب، قادت إلى ولادة حضارية عالمية ذات أبعاد وخصوصيات عربية إسلامية، دلَّلت على إمكانية نشأة حالة من التثاقف بين أطراف متعددة، هي التي تسكت عليها مرجعيات كبرى في الغرب لصالح القول بخط فاصل قاطع بين الشرق والغرب، مسكوتاً بذلك على أن الغرب هو، كذلك، شرق، وعلى أن هذا يستضمر ذاك -على الأقل- في خافيته. وحين يأتي الغرب الحديث والمعاصر (الرأسمالي الاستعماري العولمي) ليعلن أن العلاقة بينه وبين الشرق، إنما هي ثنائية مطلقة أو ما يقترب من ذلك، فإنه يكون قد ارتكب موقفاً خيانياً حيال نفسه، ولكن كذلك وبصورة خاصة حيال الشرق. وقد تجلت هذه الخيانة على صعيد الشعر بقولة كيبلنج الشهيرة (الشرق شرق، والغرب غرب، ولا يلتقيان). وحين يبرز استحقاق النهضة والتقدم والعقلانية والتنوير في العالم العربي الراهن، فإن ذلك ينطوي على القول بأن تحقيق هذا يمر -كذلك- عبر البنية الحضارية العالمية الشرقية-الغربية، وهي التي تمثل في الداخل العربي خارجاً والخارج الغربي داخلاً. في هذا، إذن، ينبغي البحث في العلاقة بين الأنا العربي والآخر، بالضرورة، في ضوء التجادل التاريخي والتراثي بينهما.