نتائج الدراسة التي أجرتها "غرفة تجارة وصناعة دبي" حول المسؤوليّة الاجتماعيّة وحوكمة المؤسسات على مستوى دولة الإمارات، ونشرتها الصحف المحلية مؤخراً، كشفت بوضوح عن تدنّي مستوى ممارسة المسؤولية الاجتماعية، فقد خلصت إلى أن 90 في المئة من الشركات لا تتبنّى سياسات المسؤولية الاجتماعية وممارساتها، وأن 66 في المئة من الشركات لديها وعي بالمسؤولية الاجتماعية، لكنها مع ذلك لا تنخرط بشكل عملي في ممارسة هذه المسؤوليّة، وأن الشركات لا تخصّص ميزانيات سنوية لتمويل نشاطات ذات علاقة بالمسؤوليّة الاجتماعيّة. هذه الإحصاءات والنتائج تكشف بوضوح عن ابتعاد كثير من الشركات في الدولة عن القيام بدورها تجاه المجتمع، رغم أنها على وعي وإدراك وإلمام بأبعاد هذه المسؤوليّة، وربّما يرجع ذلك إلى غياب الإطار القانوني الملزم الذي يفرض عليها القيام بذلك، حيث يقع الأمر ضمن مجال العمل الخيريّ الذي يتم الإقدام عليه في المناسبات، وليس من خلال أطر ثابتة تكسبه صفة الاستمراريّة، وهذا يؤكّد بوضوح ضعف البعد الاجتماعي في نشاط هذه الشركات، خلافاً لما هو موجود في الشركات والمؤسسات في دول العالم المتقدّم، التي تدمج هذا الجانب ضمن مهام أعمالها، وتخصّص نسبة من ميزانياتها السنوية للإنفاق عليه. واللافت للنظر هنا أن تراجع الدور الاجتماعيّ للشركات والمؤسسات يأتي في الوقت الذي تحرص فيه الدولة على تعميق الوعي بمفهوم المسؤوليّة الاجتماعيّة، وهو ما يظهر في العديد من المبادرات المهمّة، كالبرنامج الوطني للمسؤولية الاجتماعية "مسؤولية"، الذي أطلقته "مبادرة زايد العطاء"، ويهدف إلى تفعيل مشاركة القطاع الخاصّ في برامج تنمية المجتمع، وترسيخ ثقافة المسؤولية الاجتماعية والإنسانية لدى الشركات، وكذلك في التحالف الذي أعلنته وزارة الشؤون الاجتماعيّة قبل ما يزيد على عام بين عدد من الوزارات الخدميّة في الدولة، بهدف نشر هذا المفهوم وترسيخه في المجتمع، وإطلاق مبادرات مختلفة لدعمه وترجمته على أرض الواقع، الأمر الذي يعني أن هناك فجوة كبيرة بين الموقف الرسمي للدولة الداعم للمسؤوليّة الاجتماعيّة، واستجابة الشركات والمؤسسات الخاصة لهذه المبادرات. إن المسؤوليّة الاجتماعيّة للشركات والمؤسسات في الدولة لم تعد مجرد اختيار من جانبها، بل أصبحت ضرورة ملحّة، خاصة بالنظر إلى اعتبارات مهمّة عدّة، أولها، أن هذه المسؤولية تكمل الدور الذي تقوم به الدولة تجاه أفراد المجتمع وخدمة قضاياه. ثانيها، أن المسؤوليّة الاجتماعيّة أصبحت أحد الأضلاع الثلاثة للتنمية المستدامة، كما جاء في تعريف "مجلس الأعمال العالمي"، وهي "النمو الاقتصادي، والتقدم الاجتماعي، وحماية البيئة"، وما يعنيه ذلك من قيام الشركات والمؤسسات بأدوار مهمّة لا تنفصل عن خدمة المجتمع. ثالثها، أن هذه الشركات والمؤسسات، كما استفادت من بيئة الأعمال المثاليّة التي توفّرها لها الدولة، وأسهمت في تعاظم مكاسبها بشكل لم تكن تستطيع تحقيقه في أيّ مكان آخر، فإنها مطالبة بالقيام بمسؤوليّتها الاجتماعيّة، وأن تستجيب عن قناعة للمبادرات التي طرحتها الدولة، وأن يكون لها دور فاعل في خدمة المجتمع وقضاياه المختلفة، كدعم التعليم والبحث العلمي والتدريب ومواجهة التحديات البيئية ومشكلات الغلاء والبطالة وغيرها من المجالات. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.