تجري يوم السابع من مارس القادم الانتخابات البرلمانية وسط اهتمام إقليمي ودولي. ويعود الاهتمام بالانتخابات العراقية إلى حقيقة أن العراق بلد مهم أياً كانت طبيعة النظام فيه، فهو بلد متميز، ومهد الحضارة القديمة، وتركيبته السكانية المؤلفة من أعراق ومذاهب وقوميات مختلفة تسمح بأن يقيم نظاماً ديمقراطياً تعددياً. لذلك فنجاح الانتخابات العراقية هو نجاح لكل الشعوب العربية والإسلامية المحيطة به، خصوصاً وأن العراق يحتاج إلى تراكم وثبات واستقرار أعرافه الديمقراطية. أما السبب الثاني لاهتمامنا بالعراق فيعود إلى حقيقة أن فشل التجربة الديمقراطية هناك معناه فشل كل المحاولات لتعزيز الديمقراطية في الوطن العربي الكبير، أي استمرار حالة العنف والقتل وعدم الاستقرار. بينما يأتي السبب الثالث من حقيقة أن أي تطور مستقبلاً في العراق سيحدد كيفية الحكم على العلاقة بين أميركا والتيارات السياسية في المنطقة، فالولايات المتحدة ستواجه مخاطر جديدة إذا كانت طبيعة الحكم في العراق طائفية موالية لإيران، وهذا ما أشارت إليه تحذيرات السفير الأميركي في بغداد، والتي قال فيها إن القوات الأميركية العاملة في العراق يمكن أن تؤذيكم إذا تماديتم في الارتماء في أحضان إيران. وقد أكد السفير "هيل" أن الاختبار الحقيقي للنجاح لن يكون في تصرفات الرابحين فقط، بل في رد فعل الخاسرين، وعلى الخاسرين في الانتخابات معرفة أن عليهم مسؤولية أكبر من غيرهم، في إشارة إلى خطورة اللجوء إلى العنف. والتساؤل هنا هو: لماذا التخوف من نتائج الانتخابات القادمة؟ ينبع التخوف من حقيقة أن المسؤولين في العراق أقصوا القوى السياسية المعارضة لهم، ومنعوهم من المشاركة السياسية تحت غطاء محاربة "البعث". ماذا سيحدث لو أن القوى الطائفية حققت انتصاراً في الانتخابات، وتمكنت من الاستئثار بالحكم وتقوية سيطرتها على مرافق الدولة ومؤسساتها الدستورية؟ هل سيتحقق الاستقرار؟ وهناك من يتوقع أن إيران قد تتحرك في العراق لملء الفراغ الذي سيتركه الأميركيون بعد مغادرتهم أوائل العام القادم، إذ توجد العشرات بل المئات من الشركات الإيرانية التي تعمل في العراق، خصوصاً في مناطق النجف وكربلاء. ووفقاً لهذا الرأي فإن إيران تسعى إلي تعزيز مراكزها في العراق أكثر من خلال أحزاب وحركات موالية لها، كذلك تسعى لتدريب جيل جديد من رجال الدين العراقيين داخل حوزاتها في "قم". والحقيقة التي علينا في الخليج الإقرار بها هي أن الانتخابات العراقية هي جزء من صراع أميركي إيراني، إذ تحاول كل من الدولتين فرض هيمنتها على العراق، والمنتصر منهما هو من سيحدد طبيعة السياسة، ليس في العراق فحسب، بل في المنطقة ككل. وفيما يتعلق بالتوقعات حول البرلمان العراقي القادم، فإنه من الصعب التكهن بنتائج الانتخابات بعد إقصاء بعض أقطاب المعارضة، لكن هناك شعورا بأن الشعب العراقي يطمح للتغيير، ففي انتخابات عام 2005 تمحورت الانتخابات باتجاه الكتل الشيعية والسنية والأكراد، أما اليوم فمن المتوقع أن يتجه الشعب العراقي للتصويت لمرشحي البرامج والرؤى السياسية الواقعية بعد أن فشل السياسيون في تعمير العراق وتحقيق الأمن والاستقرار لشعبه المنكوب. وماذا نريد في الخليج من العراق؟ نريد حكومة عراقية علمانية توحد جميع طوائف المجتمع تحت برنامج سياسي واقتصادي واضح لا يتخذ من الطائفية سلاحاً لإقصاء الآخر. إن نجاح الانتخابات العراقية يعتمد اعتماداً تاماً على مقدرة الشعب العراقي على التغيير للأفضل. د. شملان يوسف العيسى