يبلغ الحماس بيمين "حفل الشاي" مبلغا يصبح معه استهداف الأحياء مثل جون ماكين غير كاف بحيث يتوجب تطبيق بعض التنقية الأيديولوجية على التاريخ أيضا. وهكذا، أشار المعلق الإذاعي المحافظ جلين بيك، الذي كان يتحدث مؤخرا في "مؤتمر العمل السياسي المحافظ"، إلى الرئيس تيدي روزفيلت باعتباره... عدواً كبيراً لحرية الإنسان. وسلط بيك الضوء على هذه العبارة المنسوبة إلى روزفيلت: "إننا لا نستكثر على أي شخص ثروة... إذا كانت قد اكتُسبت بطريقة شريفة واستعملت بشكل جيد". إذا كنتم لا تميزون "المشكلة" في تلك العبارة، فتأملوا جيدا، حيث يشرح بيك قائلا: "إن هذه ليست فكرة الآباء المؤسسين" حول أميركا... بل هي السرطان الذي يلتهم أميركا: إنها (الحكومة الكبيرة)، إنها المثالية الاشتراكية". وبالطبع، فإن المحافظين الجدد يدافعون عن الثروة التي تُكتسب بطريقة غير شريفة ثم يتم تضييعها. إن مشكلة أميركا على ما يبدو ليست "المجتمع العظيم" (البرامج الاجتماعية التي سُنت في عهد الرئيس جونسون) فقط، أو حتى "الصفقة الجديدة" (البرامج التي اعتُمدت في الثلاثينيات من أجل إخراج الاقتصاد من الأزمة المالية)، بل هي "المعاملة العادلة" (البرامج التي اعتمدها روزفيلت لمساعدة الطبقة الوسطى). وربما كان بيك محتشما قليلا هنا، ذلك أن المؤمنين بالحرية الشخصية الحقيقيين الذين يكسو صدورهم شعر ينحون باللائمة على أبراهام لينكولن، الذي ركز السلطة الفدرالية على حساب الولايات لخوض حرب غير ضرورية، وهو رأي يؤيده رون بول (المرشح الرئاسي الجمهوري في انتخابات 2008)، والفائز في استطلاع رأي رئاسي أجراه "مؤتمر العمل السياسي المحافظ". والواقع أن لينكولن ليس في حاجة إلى من يرد عنه تهمة الاستبداد، لأن مجرد اتهامه يكفي لتشخيص بعض الاختلالات الأيديولوجية المحزِنة؛ لكن روزفيلت أيضا لا يستحق مثل هذه المعاملة المجحفة. صحيح أنه أثار عددا من المعارك مع الجمهوريين المحافظين، حيث كانت إثارة المعارك رياضته المفضلة. لكنه كان يكره الاشتراكية وهو القائل: "إنها لن تؤدي إلا إلى الدمار ... لأنها تفرز الظلم والغضب، علاوة على أنها غير أخلاقية" . كما كان يرى أن رأسمالية الشركات الحديثة حتمية ولا مفر منها، بل مثيرة للإعجاب. لكنه كان يعتقد أن الإفراط في تركيز السلطة وعدم الخضوع للمحاسبة في نظام رأسمالي يؤدي إلى صدامات مدمرة بين العمال ورأس المال، الأغنياء والفقراء. وهكذا، حارب الاحتكار وفرض معايير وقواعد صحية على المسالخ الوسخة، وشجع توظيف الناس على أساس أكثر مهنية. صحيح أن تقدمية روزفيلت قد تبدو مثل الاشتراكية، إلا أنه عندما ألغت بعض المحاكم قوانين تجيز الإضراب وتقلص الحد الأقصى لساعات العمل، قال روزفيلت محذرا إنه "ينبغي ألا تكون لدينا ثورة فحسب، وإنما سيكون من الضروري أن تكون ثمة ثورة لأن ظروف العمل ستصبح أكثر سوءا وغير مطاقة". بيد أن هدف روزفيلت السياسي كان هو تجنب ثورة، حيث سعى للحفاظ على نظام السوق عبر تنظيم وتقنين صحته وسلامته وعدله؛ والأمر لا يتعلق هنا بسياسة "دعه يعمل"، وإنما بتقليد حقيقي للتيار المحافظ، أي الإصلاح التدريجي لنشر الراديكالية. لكن أقلية قليلة جدا ترغب اليوم في العودة إلى معايير القرن التاسع عشر فيما يتعلق بالعمل والصحة ومحاربة الاحتكار. غير أن الأقلية القليلة في "مؤتمر العمل السياسي المحافظ"، كانت تبدو مصممة على إحماء نقاش إيديولوجي. فباسم النقاء الدستوري، تقترح هذه الأقلية إلغاء كثير من الأشياء: ليس إلغاء "الأوبامية" فحسب، بل إلغاء برنامج "ميديكير" والضمان الاجتماعي، وإلغاء الالتزامات الأميركية العالمية الباهظة التي ترتبت عن الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، وإلغاء القواعد والتنظيمات الاقتصادية التي اعتمدت زمن التقدمية، وإلغاء سيطرة السلطة التنفيذية التي حافظت على الاتحاد... إلى أن تبقى لدى أميركا حكومة تليق بجمهورية زراعية معزولة من جمهوريات القرن الثامن عشر. ثم إن الأمر يتعلق هنا باقتراح للسفر عبر الزمن، وليس بأجندة سياسية. فالحكومة الفدرالية لا يمكنها أن تتخلص من هذه المسؤوليات التي تراكمت مع مرور السنين بدون التسبب في معاناة كبيرة وزعزعة الاستقرار العالمي. إن البديل يظل هو إصلاح التيار المحافظ، والذي يعد روزفيلت أحد السباقين إليه. وبالنظر إلى أن إلغاء الحداثة ليس خيارا، فإن الحل هو ضمان عمل المؤسسات الحديثة وإنجاحها. وعليه، فلنقم بتحديث "ميدي كير" والضمان الاجتماعي حتى نشجع اختيارات السوق والملكية، ولنطعم التعليم العام بالقوانين والمنافسة، ولنواجه الراديكالية بالإصلاح. إن النقاش بين جناحي التيار المحافظ (دعاة الإلغاء ودعاة الإبقاء) مفيد ومهم أيديولوجيا، إلا أنه في المجال السياسي لا يوجد نقاش، ذلك أن أي مرشح كان سيتنافس في الانتخابات الأخيرة في فرجينيا أو نيوجرزي أو ماساتشوسيتس ببرنامج "جلين بيك/رون بول" كان سيكرر النتائج نفسها التي حصل عليها بول خلال السباق الرئاسي لـعام 1988، علما بأن كل الفائزين الجمهوريين في هذه الولايات وعدوا بإصلاح الحكومة، وليس بإلغائها. لكن ما أخشاه هو أن يشبه "دعاة الإلغاء" روزفيلت من ناحية واحدة مثيرة للقلق أعيبها على روزفيلت: حيث خان في انتخابات 1912 صديقَه ويليام تافت وحزبه عندما تنافس كمرشح مستقل، مقتنعاً بأنه لا أحد من الحزبين يستوفي معاييره حول النقاء والصفاء، وهو موقف بات مألوفا اليوم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"