تقوم استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية الراهنة تجاه إيران، على سياسة فرض المقاطعة والحصار من أجل التأكد من عدم إقدام إيران على تصرفات تضر بمصالح الولايات المتحدة المتواجدة لدى دول مجلس التعاون الخليجي والعراق وأفغانستان وبعض دول آسيا الوسطى، أهمها التأكد من استمرار تدفق النفط من مكامنه إلى الأسواق العالمية خاصة الولايات المتحدة وحلفائها، وبأن لا تقع منطقة الخليج بالذات تحت نفوذ إيران. ومن جانب آخر تشجع الولايات المتحدة التجارة الدولية الحرة في الخليج العربي، بمعنى الوصول إلى النفط الخام والأسواق وتدفق الاستثمارات النقدية إلى اقتصادها. وتبدو الولايات المتحدة مستعدة للتدخل المباشر في المنطقة عند الضرورة كما حصل مرتين بالنسبة لموقفها من العراق ومرة واحدة في أفغانستان. إن البيئة الأمنية المتغيرة أدت إلى أن تصبح الولايات المتحدة أهم اللاعبين الدوليين في المنطقة، وهذا يجعلنا نفترض بأن الحضور الحالي لها يتماشى مع مصالحها كقوة عظمى وحيدة في عالم اليوم، وبأن هذه المصالح ستظهرها وقد غدت ضالعة بشكل متزايد في الشؤون الإقليمية بما في ذلك قضية الملف النووي الإيراني وتطلعات إيران إلى امتلاك أسلحة نووية والرؤوس الحاملة لها، وهذا الضلوع ليس بالضرورة أن يكون عنفياً، بمعنى أنه قد يكون غير عسكري بل من خلال تقديم تنازلات من نوع ما لإيران في مقابل التخلي عن امتلاك الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الحاملة لها. وما يدفعني إلى طرح الفكرة الأخيرة هو التوجهات السرية الحالية التي يتم الحديث عنها وتشير إلى أن واشنطن تتفاوض سراً مع طهران حول تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين. وعلى ضوء هذه التوجهات الجديدة نحو إيران تحاول الولايات المتحدة طمأنة حلفاءها في المنطقة سواء على الصعيد الخليجي أو المنطقة العربية وجوارها الجغرافي، بما في ذلك إسرائيل بأن توجهاتها نحو إيران لن تضر بمصالحهم. إلا أن أولئك الحلفاء خاصة دول مجلس التعاون الخليجي يبدون قلقهم من ذلك، وينظرون إلى الولايات المتحدة وكأنها ذات سياسة خارجية يكتنفها الغموض تجاه مصالحهم على المدى البعيد. وهنا لابد من الإشارة إلى أن المسائل تجاه مثل هذه القضايا لا يجب أن تؤخذ بحدة متناهية، فبالنسبة لدول المجلس مواقف الولايات المتحدة السابقة تجاه القضايا الأمنية، ربما تكون قد نشأت من هذا القلق، لكن ذلك يبقى ضئيلاً إذا ما أخذنا في الاعتبار مواقفها الداعمة بقوة لدول المجلس في قضايا مصيرية حساسة كالغزو العراقي للكويت عام 1990. لذلك فإن ما أقترحه هو أن تتبنى دول مجلس التعاون الخليجي منهجاً أكثر وضوحاً ورسوخاً تجاه علاقاتها طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، خاصة في ضوء محاولات فتح قنوات الحوار بين الأخيرة وإيران. ورغم إمكانية القول بأن علاقات دول المجلس بالولايات المتحدة ستقوى رغم أن وجودها العسكري في العراق والمنطقة الخليجية عموماً سيشهد تخفيضاً ملحوظاً في المستقبل المنظور، إلا أن على دول المجلس أن تكون حذرة أيضاً في سياساتها تجاه كافة الأطراف الإقليمية بما في ذلك إيران، بحيث تتبنى منهجاً وسطياً يجعل الكثير من القنوات مفتوحة عند الضرورة. والمنهج الذي ندعو إليه في علاقات دول المجلس مع الولايات المتحدة، يقوم على مبدأ "التكيف" وعلى قدرة دول المجلس القيام بمثل هذا الأمر، فذلك يعطيها قدرة كبيرة على تبني الخيارات البديلة التي تعتبر أمراً لا مفر منه في التعامل مع القضايا السياسية. فالتكيف يساعد على منع المشاكل قبل أن تقع أو تستفحل.