تتبعت ما كتب حول قضية اغتيال المبحوح على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، كتب أهل السياسة رأيهم في القضية، حيث تباينت ردود أفعالهم حسب توجهاتهم ودولهم، لكنهم جميعاً توافقوا على أن اختيار الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ هذه الجريمة، لم يكن في الحسبان وأمر مرفوض بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، لا لشيء سوى أن الإمارات تربطها بكل دول العالم علاقات سلمية ناجحة، ولا ينبغي أن يرد مثل هذا الأمر على أرض الدولة. أهل الاقتصاد من جانب آخر نظروا للأمر على أنه تهديد للصعود الاقتصادي لدولة الإمارات، التي نجحت في أمور فشلت فيها كثير من دول العالم العربي، فقد تحولت الإمارات في فترة قصيرة إلى أرض خصبة لجلب الاستثمارات الأجنبية لها، فتنافست كبار الشركات الأجنبية والدولية، كي تكون الإمارات مركزاً إقليمياً لها، وهذا الأمر أزعج البعض، لكن كانت إسرائيل التي تحلم أن تكون مركزاً للاقتصاد العالمي في الشرق الأوسط أكثر المتضررين من هذا النمو في دولة الإمارات، فكانت هذه العملية رمزاً منهم كي يقولوا للعالم إن الإمارات ليست بعيدة ًعلى موضوع الأمن الذي تفتقده إسرائيل منذ إنشائها... وهذا أمر متوقع من زمن بعيد، حيث أن العدو يعزز وجوده بين دول العالم الأوروبي والديمقراطي زاعماً أنه الدولة الوحيدة الديمقراطية في الشرق الأوسط، والتي ينبغي أن يُشار إليها بالبنان عند كل برنامج طموح في الاقتصاد والسياسة، فكيف تستطيع الإمارات من وجهة نظر العدو منافستهم على هذا الموقع، بعد أن نجحت في أن تكون مركزاً اقتصادياً عالمياً، وكذلك مركزاً للسياسة في المنطقة باستقطابها للمنظمات الدولية السياسية كـ"أرينا"، وربما في المستقبل مقر الأمم المتحدة، هذه القضايا كانت مزعجة لإسرائيل منذ زمن ووجدت الفرصة للتنفيس عن مكنونها بهذه الجريمة النكراء. من الناحية النفسية، فإن إسرائيل كانت ولازالت تفكر كثيراً وتخطط وتنفذ وفق دراسات نفسية لكثير من الأمور، أخبرني بعض أهل الاختصاص أن نخبة من الإسرائيليين يلتحقون بتخصصات علم النفس، لأن هذا العلم تقوم عليه أخطر القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية في دولتهم. هذا الكيان جرب مع العرب كل الفنون القتالية، والسياسية بهدف طمس الهوية العربية من هذه المنطقة، وفي الوقت نفسه مسح النفسية العربية لأن ما يحمله العدو تجاه المنطقة لايكاد يتخيله إلا من درس النفسية التي تتصارع في صدورهم. كان بإمكان إسرائيل مثلاً إنهاء موضوع غزة في حربها الأخيرة دون الحاجة إلى ذلك العنف والدمار وانتهاك كل المواثيق الدولية، لكنهم قتلوا وأسرفوا في القتل واعتدوا على مقرات الأمم المتحدة في غزة وانتهكوا كل ما هو محرم في القانون الدولي، كي يبعثوا للعالم رسالة مفادها: نفعل ما نشاء متى ما نريد، وكيفما نشاء ولن نسمح بالاعتراض ... هذه النفسية هي منطلقهم في اغتيال المبحوح، ولكن انقلب السحر على الساحر بذكاء الأجهزة الأمنية وأفرادها لدينا الذين نوجه لهم كل التحية، فبدلاً من الاعتراف بهذه الجريمة تم إنكارها، وبدلاً من أن تكون رسالة للغير أصبحت ضربة لهم.