بعد فترة هدوء دامت قرابة أربعة عشر شهراً، وقعت الهند مرة أخرى ضحية لهجوم إرهابي جديد، حيث نفذ إرهابيون تفجيراً في مدينة "بيون"، التي تعد قطباً للتعليم وتكنولوجيا المعلومات، وتقع بالقرب من مومباي، حيث انفجرت قنبلة في مخبز يتردد عليه الأجانب والطلبة الهنود، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً. واللافت أن الهجوم وقع بعد يوم واحد على قبول باكستان عرضاً هندياً لإجراء محادثات على مستوى وزيري الخارجية في العاصمة الهندية نيودلهي. ولذلك، فإن توقيت الهجوم يكتسي دلالة خاصة، إذ يُظهر رغبة العناصر الإرهابية في أن تظل العلاقات بين الهند وباكستان متوترةً وينم عن معارضتها القوية حتى لاستئناف الحوار بين البلدين. في هذه الأثناء، تعمل الأجهزة الأمنية الهندية على فك خيوط مؤامرة الهجمات، حيث حصلت على بعض المعلومات القيمة من صور كاميرات المراقبة والمتفجرات التي استُعملت في تنفيذ الهجوم، إذ توصل المحققون الهنود إلى أن المتفجرات كانت تحتوي على "نترات الأمونيوم" والـ"آر. دي. إكس"، وهي مادة متفجرة قوية تُستعمل عادة من قبل الجيوش. وإضافة إلى ذلك، يركز المحققون الهنود اهتمامهم حاليا على بحث الدور الذي قد يكون لعبه تنظيمُ "المجاهدين" الهندي، وهو منظمة محاربة هندية محلية يقال إن لها علاقات مع تنظيم "لشكر طيبة"، الذي يعد المسؤول عن هجمات مومباي الإرهابية. والجدير بالذكر هنا أن هجوم "بيون"، هو أول هجوم إرهابي كبير تعرفه الهند بعد هجمات مومباي، التي نُفذت في نوفمبر 2008، ولقي فيها 166 شخصاً مصرعهم. وبينما تسعى الأجهزة الأمنية إلى تحديد هويات منفذي هذه الجريمة، فإن منظمتين إرهابيتين غير معروفتين تبنتا مسؤولية الهجمات. فبعد ثلاثة أيام على هجوم "بيون"، أعلن تنظيم "لشكر طيبة العالمي"، الذي يقدم نفسه على أنه فصيل منشق عن تنظيم "لشكر طيبة" الرئيسي، وتنظيم "المجاهدين" الهندي من كشمير - كل على حدة - أنهما يقفان وراء الهجوم. وفي هذا الإطار، اتصل أبو جندل – الذي قدم نفسه على أنه المتحدث باسم "عسكر طيبة العالمي" – بمراسل صحيفة هندية يقيم في إسلام آباد ليقول له إن تنظيمه في الهند، هو الذي نفذ هجوم "بيون"، وذلك احتجاجاً على رفض نيودلهي وضع كشمير على أجندة المحادثات المقبلة مع باكستان، مضيفا أن "تحالف" الهند مع الولايات المتحدة يشكل سبباً آخر للهجوم. كما قال مراسل الصحيفة إن "لشكر طيبة العالمي" انفصل عن "تنظيم "لشكر طيبة" الرئيسي لأنه يتلقى التعليمات من وكالة التجسس الباكستانية "آي. إس. آي"، موضحاً أنه يتصل من ميرام شاه في شمال وزيرستان. والواقع أنه حتى في الوقت الذي مازال يحاول فيه المحققون فك لغز المؤامرة وراء المخطط الإرهابي، إلا أن شيئاً واحداً يتضح بجلاء، وهو أن العناصر الإرهابية تعارض أي محاولات لتطبيع العلاقات بين الهند وباكستان، ذلك أن الهجوم أتى في وقت كانت تحاول فيه الهند وباكستان فتح قناة للحوار على مستوى وزيري الخارجية. والجدير بالذكر هنا أن الهند تقول إن الإرهاب يشكل مبعث قلقها الرئيس وسيكون حاضراً في أي مباحثات، المباحثات التي يروج لها الجانبُ الهندي باعتبارها تغييرا لتكتيكاته الدبلوماسية لدفع باكستان إلى اتخاذ تدابير ضد المنظمات الإرهابية. على أن نيودلهي، التي أظهرت نضجاً في التعاطي مع الموضوع، وافقت في الوقت نفسه على مراعاة حساسيات باكستان وواقعها الداخلي، وعرضت على باكستان حواراً حول كل المواضيع "المرتبطة بالسلام والاستقرار". ومن جانبها، تقول إسلام آباد إنها ستثير موضوع كشمير ومواضيع أخرى. بيد أن الرسالة الواضحة الوحيدة الصادرة عن نيودلهي الآن هي أنها لن توافق في هذه المرحلة على استئناف عملية الحوار الشامل، وهي الإطار الذي أُنشئ بهدف مناقشة كل المواضيع العالقة بين البلدين. ويذكر هنا أن الجولة الخامسة من عملية الحوار الشامل توقفت بطلب من الهند بعد هجمات مومباي الإرهابية. وعلاوة على ذلك، فإن ثمة جدلاً اليوم داخل الحكومة الهندية حول أجندة المحادثات مع باكستان وكيفية التعامل مع موضوع الإرهاب. غير أنه مما لا شك فيه أن الهند حريصة على المضي قدما في الانخراط مع باكستان. وعلى أي حال، فإن مستقبل الحوار الهندي- الباكستاني يعتمد على الكيفية التي ستتم بها المحادثات على مستوى وزيري الخارجية، وعلى نوع الضمانات التي ستقدمها إسلام آباد لنيودلهي بشأن منع انطلاق أعمال إرهابية من الأراضي الباكستانية. واللافت أن الحكومة الهندية تتحرك بحذر شديد بشأن المحادثات، وهو أمر يعزى أيضاً لشرم الشيخ، التي كانت قد وافقت فيها الحكومة الهندية على بيان باكستاني- هندي مشترك نُظر إليه في بعض الدوائر السياسية الهندية على أنه فصل لجهود محاربة الإرهاب عن الحوار الثنائي بين البلدين، حيث عاد فريق المفاوضات الهندي إلى الهند ليجد معارضة شرسة لأي انخراط مع باكستان. واليوم، وبعد هجمات "بيون" الأخيرة، مازالت ثمة بعض التحفظات الجادة حول نوع الانخراط الهندي مع باكستان، ومازال من غير المعروف حتى الآن إلى أي نتيجة ستفضي التحقيقات، وكيف ستؤثر هجمات "بيون" على التواصل الهندي- الباكستاني.