نسمع كل يوم عن الفظاعات التي تواجها النساء في بلدان أخرى: الاغتصاب في دارفور، ختان الفتيات في مصر، تجارة الجنس في أوروبا الشرقية. نهز رؤوسنا علامة على الرفض والاستنكار، ونرسل الرسائل الإلكترونية، ونبعث التبرعات المالية. ليست لدينا مشكلة في التنديد بالفظاعات التي تُرتكب في حق النساء في الخارج، والحال أن الكثيرات منا في الولايات المتحدة يتجاهلن القمع الذي يحدث في عقر دارنا لأننا نعاني من وهم كبير، وهم أن النساء في أميركا قد حققن المساواة. ولما لا؟ فذلك يمنحنا شعورا بالراحة: فنحن نبكي مع (المذيعة) أوبرا ونضحك مع (الكوميدية) تينا في؛ ونعمل ونعتني بأطفالنا، ونشاهد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والسفيرة سوزان رايس في الأمم المتحدة بفخر ونتنهد معتقداتٍ أننا قطعنا شوطا طويلاً. والحال أننا نستمتع بلحظة "قوة الفتاة"، ليس إلا، لحظة هي غير موجودة في الواقع – إنه سراب ووهمُ مساواةٍ خَدعنا ودَفعنا إلى الاعتقاد بأنه حقيقة. فعلى الرغم من المكتسبات التي حصلت عليها النساء على مدى السنوات والتي لا يستطيع أن ينكرها ناكر، فإن النساء مازلن يتعرضن للاغتصاب والاتجار والتمييز - ليس في بقية العالم فقط، وإنما هنا في الولايات المتحدة أيضاً. وعلى الرغم من أن المدافعين عن حقوق النساء مازالوا يناضلون من أجل رفع الحيف وتحقيق المساواة بين الجنسين، إلا أن معظم الناس يعتقدون أنه باستثناء بضع معارك متبقية، فإن عمل الحركة النسائية قد انتهى. غير أنه حان الوقت لنكف عن خداع أنفسنا، لأنه رغم كل خطابنا حول "تمكين المرأة"، فإن حال النساء في هذا البلد ليس جيداً مثلما نحب أن نعتقد. ذلك أن النساء مازلن يُقتلن بالرصاص في الشوارع في أميركا. فالعام الماضي فقط، فتح جورج سوديني النار على نساء في قاعة رياضية خارج بيتسبرج، فقتل ثلاثا منهن وأصاب تسعا أخريات، ولاحقا عرف المحققون من مدونة "سوديني" الإلكترونية أنه كان يستهدف النساء بشكل خاص. وفي 2006، اقتحم مسلح مدرسة في بنسلفانيا، فأطلق سراح الأولاد ثم أطلق النار على قرابة اثنتي عشرة فتاة، قتل منهن خمساً. وفي العام نفسه بولاية كولورادو، هاجم رجل ست طالبات جنسياً بعد أن احتجزهن كرهائن في مدرسة ثانوية قبل أن يقتل إحداهن. على أن الغرباء ليسوا الوحيدين الذين يتورطون في قتل النساء؛ ففي 2005 مثلًا قُتلت أكثر من 1000 امرأة على يد شريكها؛ ومن بين كل النساء اللاتي قُتلن في الولايات المتحدة، فإن حوالي الثلث يُقتلن من قبل زوج أو شريك. ثم إن القتل من قبل الشريك يعد من الأسباب الرئيسية لموت النساء الحوامل في الولايات المتحدة. وفي العراق، فإن احتمال أن تتعرض النساء اللاتي يؤدين الخدمة في الجيش للاغتصاب من قبل جندي زميل أكبر من احتمال القتل بنيران عدوة. والأنكى أن حتى الحكومة تهون من شأن الأزمة التي توجد فيها النساء الأميركيات. فالعام الماضي مثلًا، أعلنت وزارة العدل أن 2008 عرفت ارتكاب 182 ألف هجوم جنسي ضد النساء، وهو ما يعني أن المعدل قد انخفض بـ70 في المئة منذ 1993. غير أن دراسة أجراها "المركز الوطني لبحوث ضحايا الجريمة"، أظهرت أن المنهج الذي اتبعته وزارة العدل تخللته بعض العيوب. إذ بدلاً من أسئلة مثل "هل أُجبرتِ في حياتك على ممارسة الجنس رغما عنك؟"، كانت النساء تُسألن ما إن كن قد تعرضن لـ"الاغتصاب أو نوع آخر من الهجوم الجنسي أو محاولة الهجوم الجنسي". والحال أن الضحايا يملن في كثير من الأحيان إلى عدم وصف تجربتهن كـ"اغتصاب"، وبخاصة في حال كان المهاجم شخصاً يعرفنه. ويقول المركز إن العدد الحقيقي للأميركيات المغتصبات في 2008 بلغ أكثر من مليون امرأة. على أن الإحصائيات المحزنة لا تقتصر على العنف: ذلك أن النساء يشغلن 17 في المئة فقط من المقاعد في الكونجرس؛ ولئن كانت النساء يعملن خارج البيت اليوم، فإنهن يتقاضين 76 سنتاً فقط مقابل دولار للرجل، ويشكلن أغلبية الأميركيين الذين يعيشون في فقر. هذا الرفض لرؤية كراهية النساء في أميركا قد يعزى – من بين عوامل أخرى – إلى حماية الذات، فربما تكون الحقيقة أكثر إخافة من أن نواجهها، أو ربما أن الأميركيات يكرهن بكل بساطة أن ينظرن إلى أنفسهن كمضطهدات، على أنه من السهل النظر إلى النساء في بلدان أخرى باعتبارهن الضحايا الحقيقيات. لا نقصد بهذا القول إن كراهية النساء في العالم ليست مشكلة، بل هي بالطبع كذلك. بل إن حال العديد من النساء في أميركا أفضل من حال نساء في مناطق أخرى من العالم، ولكن الأمر لا يتعلق هنا بلعبة حيث التركيز على جانب يعني إهمال الجانب الآخر؛ وقد حان الوقت للتخلص من عقلية "إما هذا أو ذاك" التي تحيط بحقوق النساء في الداخل والعالم. إن ثمة الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به، والحقيقة أن معظم النساء ليس لديهن امتياز القدرة على النظر إلى العدالة بين الجنسين من بعيد. أما المحظوظات منا اللاتي لا يضطررن للتفكير في التمييز ضد المرأة والعنصرية والفقر ورهاب المثلية بشكل يومي – المحظوظات منا اللاتي لديهن امتياز التبرع ببعض المال لدعم قضية دولية في الوقت نفسه الذي يتجاهلن فيه محنة النساء هنا في أميركا - فعليهن تقع مسؤولية فتح أعيننا على كراهية النساء الماثلة أمامنا والعمل على وقفها. جيسيكا فالينتي كاتبة وناشطة أميركية مدافعة عن حقوق النساء ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"