وضعت الحكومة الإيرانية الكثير من مناصريها - وخصوصاً العرب منهم- في حرج وتلعثم بعد سلسلة من التصرفات التي اتبعتها خلال الأسابيع الماضية. جمهورية إيران الإسلامية التي لا تعترف بإسرائيل وتطالب بمسحها من الخريطة، وإقامة دولة فلسطين العربية مكانها، والتي ترفع شعارات العزة للمسلمين ومواجهة قوى الاستكبار العالمي، قررت فصل مضيف يوناني يعمل على خطوط جوية إيرانية لأنه استعمل عبارة "الخليج العربي". وبعد هذه الحادثة بيوم، قررت منع أي من خطوط الطيران الهبوط بمطاراتها أو العبور بأجوائها إن هي استعملت عبارة الخليج العربي بدلا من الخليج الفارسي. جاء القرار الإيراني بعد يومين فقط من تصريح توفيقي لسفير الكويت بطهران -مجدي الظفيري- والذي قال إن تسمية الخليج بالعربي أو بالفارسي لا ينبغي أن تكون عائقاً لمد جسور التعاون والتفاهم مع إيران. وقد يحتار المرء من مثل هذا التشنج الإيراني من دولة تنشد أن تقود العالم الإسلامي وتهيمن على منطقة الشرق الأوسط وتطالب بدعم لا محدود للحق العربي في فلسطين، وتدعي مواجهة قوى "الاستكبار" العالمي و"الشيطان الأكبر" -أي الولايات المتحدة الأميركية، لا بل إن رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران محمود أحمدي نجاد، قال إن العالم قد طلب منه أن يحل الأزمة المالية العالمية! فلماذا هذا التوتر الإيراني في وقت أحوج ما تكون فيه إيران إلى التهدئة والتفاهم مع محيطها والمجتمع الدولي؟ لا يمكن فهم التوتر الإيراني مع المحيط والعالم بمعزل عما يدور في الداخل الإيراني. فالسياسة التي تنتهجها إيران ترادفها سياسة داخلية، ألقت بمعارضي النظام في السجون ولا زالت تهدد من يعارض صحة انتخاب الرئيس نجاد بالويل والثبور. الإجراءات الداخلية لم تنجح في وقف الاحتجاجات، بل تزدادمع المناسبات الإيرانية السنوية، وبعد أيام سيحتفل الإيرانيون بعيد النوروز الذي يشكل مناسبة قومية لعلها الأهم بين أعياد إيران القومية، ويتوقع المراقبون أن تتحول مظاهر الاحتفال بهذا العيد إلى مظاهر احتجاج ضد النظام نفسه. ومن هنا يمكن فهم هذا التشنج، وفهم "تمثيلية" القبض على المتطرف عبدالملك ريغي -زعيم جند الله- الذي يشكك كثيرون في رواية القبض عليه وتوقيت الإعلان عنه. فلم تعلن إيران بدقة مصدر الطائرة الخاصة التي أقلته ولا رقم رحلتها والمياه الإقليمية التي أجبرتها فوقها على الهبوط ولا مصير باقي ركابها وطاقمها ومصير الطائرة نفسها. يسمي الإنجليز الممر المائي بينهم وبين فرنسا "القنال الإنجليزي"، بينما يسميه الفرنسيون "بحر المانش"، ولا زالت دول أميركا اللاتينية ومعها إسبانيا والبرتغال تسمي جزر الفوكلاند بجزر المالفينوس، ولم تختلف الدول الأوروبية بسبب التسميات وكلٌ يسمي ما يشاء بالاسم الذي يشاء دون حساسية مفرطة. تحتاج إيران لحوالي 40% من استهلاك الوقود من الخارج، ويربطها بمدينة مثل دبي -على سبيل المثال- 34 رحلة جوية يومية لمختلف المدن الإيرانية عدا السفن ومطارات المدن الخليجية الأخرى، وكل الطائرات العربية -بما فيها السورية- برمجت خرائط طائراتها بتسمية الخليج العربي، وإذا ما نفذت إيران وعيدها بمنع الطائرات التي تحمل اسم الخليج العربي داخلها، فإنها تقطع علاقاتها مع أهم جيرانها، وأقرب حلفائها، وتكون قد فرضت حصاراً على نفسها قبل أن يفرضه المجتمع الدولي. العمل العسكري ضد إيران مرفوض، والحصار الاقتصادي المتشدد ضد إيران غير محمود، وعلى إيران مساعدة من يتبنى هذا الموقف بالساحل الآخر من الخليج، بدلا من استفزاز الأصدقاء، وإحراج المناصرين قبل فوات الأوان.