لدى روسيا أسباب مهمة تدفعها للاستمرار في دعم إيران، رغم عدم استساغتها لكثير من سياسات النظام الإسلامي هناك. والسؤال الذي يتبادر للذهن عندما نقرأ ذلك هو: إلى أي مدى يمكن لهذا الدعم أن يمتد ويتواصل؟ وهل الروس مستعدون لاستخدام حق النقض (الفيتو) للاعتراض على إصدار أي عقوبات جديدة ضد إيران تقترحها الولايات المتحدة والدول الأوروبية بخلاف تلك التي نجحت في استصدارها من قبل والتي لم تحقق الغرض المنشود منها في إقناع الجمهورية الإسلامية بالتخلي عن برنامجها النووي؟ السؤال الأكثر إثارة للقلق من ذلك هو: هل ستقدم روسيا في نهاية المطاف على تسليم صواريخ "إس 300 سطح -جو" المتطورة إلى إيران من أجل مساعدتها على تعزيز قدراتها على تدمير طائرات العدو المهاجمة؟ ومن المعروف أن النسخة "إس 400" الأكثر تطوراً من هذه الصواريخ، قد أدخلت للخدمة في روسيا عام 1999، لكن لم يتم البدء بنشرها على نطاق محدود إلا في عام 2006، وهي تعد في نظر كثير من الخبراء العسكريين واحدة من أكفأ منظومات صواريخ الدفاع الجوي من حيث الفاعلية في العالم كله، حيث تتمتع بالقدرة على اعتراض الطائرات الضاربة، وصواريخ كروز بالإضافة إلى قدرات وإمكانيات أخرى. والنسخة الأخيرة المنتجة من هذه الصواريخ تتمتع هي الأخرى بالقدرة على تعقب واعتراض الصواريخ سطح -سطح والطائرات المهاجمة المزودة بقدرات تتيح لها التخفي عن رادارات العدو. ونظرا لما تحظى به هذه الأنواع من الصواريخ من شهرة، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل لم تدخرا وسعاً في محاولة إقناع روسيا بعدم المضي قدما في بيعها لإيران. وعلى الرغم من أن روسيا لا تؤيد قيام إيران بتنفيذ أي برنامج لإنتاج الأسلحة النووية، إلا أنها لا تتردد في نفس الوقت في إعلان معارضتها القوية لمفهوم الضربة الاستباقية ضد إيران، سواء تمت هذه الضربة من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل. وبيع تلك الصواريخ المتطورة إلى إيران، لا يجلب لروسيا عملة صعبة هي في مسيس الحاجة إليها فحسب -قيمة الصفقة لا تقل عن مليار دولار- وإنما سيجعل من مجرد تفكير أعداء إيران في توجيه ضربة استباقية لمنشآتها النووية، ولغيرها من الأهداف عالية القيمة فيها، مسألة باهظة التكاليف، وقد تعود عليهم، وعلى المنطقة بأسرها، بل وعلى العالم بعواقب وخيمة لا يمكن الإحاطة بكافة أبعادها في اللحظة الراهنة. ينطبق هذا بشكل خاص على إسرائيل، التي تعتبر قدراتها على توجيه الضربات الجوية أكثر محدودية بكثير من قدرات الولايات المتحدة، وهو ما يدفع بعض المراقبين العسكريين للقول إنها غير قادرة بقدراتها الذاتية على تدمير الأهداف النووية الإيرانية، وإسكات دفاعاتها الجوية المعززة بالقدرات الصاروخية الروسية المشار إليها، في نفس الوقت. على خلفية هذه الاعتبارات الاستراتيجية، يمكن القول إن الوضع الحقيقي لصفقة بيع صواريخ "إس 300" إلى إيران، لا يزال ملتبسا إلى حد كبير، حيث تشير التقارير إلى أن تفاصيل العقد الأصلي الذي تم التوقيع عليه في عام 2007، لا تزال مشوبة بالغموض. وفي الأيام الأخيرة أدلى المسؤولون الروس بتصريح لوكالة إنترفاكس نيوز الروسية مؤداه أن تسليم منظومات الصواريخ إلى إيران قد أُجل لأجل غير محدد بسبب "مشكلات فنية". ويشار في هذا السياق أيضا إلى أن "مشكلات فنية" كانت هي أيضا السبب في تأجيل افتتاح المفاعل النووي المصنع في روسيا والكائن في ميناء بوشهر المطل على جنوب الخليج. ومن المتوقع أن يبدأ هذا المفاعل في إنتاج الكهرباء عام 2010 غير أنه لم يتم بعد تحديد جدول زمني للإنتاج. ومن الواضح أن روسيا قد اكتشفت أن إيران شريك يصعب التعامل معه، وهو اكتشاف لا يقتصر عليها فحسب بل يمتد أيضا للعديد من الشركات الأجنبية العاملة في مجال الطاقة، والتي سعت لتأسيس روابط تجارية مع الإيرانيين، لكنها وجدت من المستحيل تقريبا أن تعمل معهم كشركاء موثوق بهم وشفافين تماما. ووفقا لمصادر مؤكدة فإن هذا النفور يبدأ من مستوى القادة. فرئيس وزراء روسيا بوتين، ورئيسها ميدفيديف، لا يريان أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على خامنئي، أو الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد شخصان يسهل التعامل معهما، ويعتقدان أن الأخير على وجه الخصوص أكثر ميلا لتقديم المحاضرات وإلقاء الخطب الحماسية أمام الجماهير منه للانخراط في حوارات دبلوماسية تقوم على مبدأ الأخذ والعطاء. على الرغم من كل ذلك، ليس هناك أحد في روسيا يستطيع أن يزعم أن بإمكانها القطع مع أيران. يرجع هذا لأسباب عديدة منها أن إيران لاعب رئيسي في منطقة شديدة الأهمية والحيوية بالنسبة لروسيا عموما، ولمناطق القوقاز وبحر قزوين وآسيا الوسطى خصوصا. في تلك المناطق التي تعتبر جميعها مناطق أزمات تبنت إيران - وبالذات في الشيشان- مواقف مؤيدة للسياسات الروسية. والكابوس الاستراتيجي الذي يؤرق روسيا في منامها في الوقت الراهن هو أن تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق تقارب كامل في علاقاتها مع إيران يترتب عليه إعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين وعودة الوجود الأميركي إلى طهران. وعلى الرغم من القلق الروسي من هذا الاحتمال، إلا أن حقائق الواقع تشير إلى أن مثل هذا التقارب -حتى إذا ما تحقق- لن يتحقق في القريب العاجل خصوصا على ضوء الشعور بعدم الثقة المتجذر بين طهران وواشنطن. لذلك، ليس أمام روسيا سوى الاستمرار في المحافظة على نوع من التوازن الدقيق بين حقيقة عدم استساغتها للنظام الإيراني من ناحية، وبين عدم رغبتها في إلحاق مزيد من الضرر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ودول أخرى، مع الاستمرار في الوقت ذاته، في لعب دور مهم فيما يتعلق بتوفير الأمن الاستراتيجي لإيران.