يتناول كتاب "النظام السياسي في الولايات المتحدة الأميركية"، لمؤلفه إميل هوبنز، تطورات التاريخ الأميركي، بداية من إعلان الاستقلال ثم إعلان الدستور، مروراً بسياسة التوسع الجغرافي التي انتهجتها الولايات المستقلة، ودأبها على استقبال المهاجرين، وكفاح السود الأميركيين. كما يتطرق للنظام الفيدرالي الذي اختارته الولايات المتحدة لنفسها، ويستعرض خصائص منظمات المجتمع المدني، وتنظيم الأحزاب الأميركية. ويبين قواعد انتخاب الرئيس وأعضاء الكونغرس، وخصائص وسائل الإعلام الأميركية ودورها في الحياة العامة، وتوزيع السلطة بين الرئيس والكونجرس، وأسس النظام القضائي، وجذور الثقافة السياسية الأميركية. ويعتبر المؤلف أن حرب الاستقلال الأميركية لم تخلق ثورة اجتماعية وإنما "ثورة دستورية"؛ ذلك أنها أفرزت دستوراً مكتوباً لنظام حكم جمهوري ديمقراطي يؤكد الفصل بين السلطات؛ فكان دستوراً متقدماً بالنسبة لظروف زمانه، إذ أقر بسلطة الأمة، وسيادة الشعب، وثبت أركان الحكم الفيدرالي، وحدد ماهية حقوق المواطن الأساسية... ومن ثم كان حافزاً جوهرياً للتطورات الديمقراطية التي عرفتها أوروبا لاحقاً. ويستعرض المؤلف تاريخ توسع الولايات المتحدة من ثلاث عشرة مستعمرة الأولى إلى 50 ولاية، حيث أصبحت رابع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، وثالث أكبر دولة من حيث تعداد السكان. ولم يكن لذلك التوسع السكاني أن يتحقق إلا من خلال الهجرة التي كانت مدداً مهماً للولايات المتحدة بالخبرات والأيدي العاملة. لكن هذه الهجرة، وبخاصة هجرة السود، أوجدت مشكلات كبيرة في المجتمع والدولة. ويكشف الجدل الذي دار خلال كتابة الدستور أن وضع المواطنين السود كان موضوعاً خلافياً كبيراً، إلى أن وجدوا في الولايات الشمالية مأوى يمنحهم الأمان والحقوق والحرية. وعندئذ برزت حركة النضال ضد العبودية. ويناقش المؤلف النظام الفيدرالي الأميركي ومكوناته، ليوضح أن توزيع الصلاحيات بين السلطات المركزية والولايات المختلفة، كان موضوعاً خلافياً بين من صاغوا الدستور الأميركي؛ فبينما كان المعارضون للاتحاد يشتكون من أن "مؤتمر فيلادلفيا" ركز السلطة بيدي المركز، كان مؤيدو الاتحاد يدافعون عن مقترحات ذلك المؤتمر. وفي هذا السياق، وجدت وثيقة الحقوق الأساسية صداها في التعديلات الدستورية اللاحقة، حيث أصبحت جزءاً من الحل الرامي إلى الحد من صلاحيات السلطة الاتحادية وتقليص تدخلاتها. لكن أحكام المحكمة العليا، -وقد عززت على مر التاريخ الأميركي صلاحية السلطات الاتحادية- باتت أكثر أهمية وأقوى فاعلية من التعديلات التي طرأت على الدستور. وبخصوص نظرية التعددية الأميركية، يذكر المؤلف أن مؤيدي التعددية كانوا واثقين بأن تمتع المنظمات المدافعة عن المصالح المختلفة بالاستقلالية، وإشراكها في صنع القرارات السياسية، سيؤديان إلى تحقيق التوازن بين المصالح المتعددة وإلى التكافؤ بين المجموعات الاجتماعية المختلفة. كما يناقش دور جماعات المصلحة التقليدية، لاسيما "الجمعية الوطنية للصناعيين" و"الغرفة التجارية للولايات المتحدة"، و"الاتحاد الوطني للمهن الحرة"، بالإضافة إلى النقابات العمالية، وبعض التنظيمات المدافعة عن مصالح الأقليات العرقية. أما جماعات الضغط الهادفة إلى توجيه القرار السياسي، فيوضح المؤلف أنها تؤثر في أصحاب القرار من خلال التبرعات المالية، والعلاقات المباشرة بأصحاب القرار في واشنطن، وكذلك الحملات الإعلامية لحفز الرأي العام على تبني أهدافها. أما الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة، فيوضح المؤلف أن دورها تعوقه معضلات كبيرة؛ منها اللامركزية التي تتصف بها الأحزاب الأميركية، وظاهرة الانتخابات الأولية؛ إضافة إلى النظام الانتخابي القائم على الأغلبية النسبية والذي أسهم في ترسيخ الثنائية الحزبية. وحول الانتخابات الأميركية، فإن الدستور يتحدث باقتضاب عن اللوائح الخاصة بانتخاب الرئيس وأعضاء الكونجرس؛ وشروط الترشيح لهذه المناصب، ولم يتطرق إلى مسائل مهمة تخص النظام الانتخابي، معتبراً إياها من اختصاص الولايات. وفيما يتعلق بوسائل الإعلام الجماهيرية، يقول المؤلف إن الإعلام الأميركي قد يبدو للوهلة الأولى متنوعاً على نحو يثير الحيرة، فيما الحقيقة هي أن ثمة مركزية تخضع لها وسائل الإعلام الأميركية لكنها لا تتضح حين يقصر المرء منظوره على وسائل الإعلام العاملة دون المستوى الوطني. ويتحدث المؤلف بشكل مفصل إلى أهم ركنين في النظام السياسي الأميركي، هما الرئيس والكونجرس، ويقارن بين نظام الحكم البرلماني السائد في أوروبا ونظام الحكم الرئاسي المطبق في الولايات المتحدة، حيث يجمع الرئيس الأميركي في شخصه بين مهمات رئيس الدولة ووظائف رئيس الحكومة. وإلى ذلك فتوزيع النفوذ بين الرئيس والكونغرس موقوف على عوامل، مثل توزيع الأصوات في الكونجرس، وشخصية الرئيس، وطموحات الناخبين، والوضع الداخلي والخارجي.. إلخ. وأخيراً يقدم الكتاب ملاحظات حول الثقافة السياسية الأميركية، ملاحظاً أنه بينما سببت الاضطرابات العرقية، والحرب الفيتنامية، وفضيحتا "ووترغيت" و"إيران -كونترا غيت"، أزمات الوضع الاقتصادي منذ نهاية الثمانينيات... انحسرت الثقة بالمؤسسات الأميركية، وأصبح هناك ارتباط عاطفي يكنه الأميركيون لنظامهم. محمد ولد المنى ------ الكتاب: النظام السياسي في الولايات المتحدة الأميركية المؤلف: إميل هوبنز الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2009