لفت نظري مؤخراً أمران: الأول: ملف اللغة العربية المهم الذي نشرته جريدة "الاتحاد" يوم الثاني والعشرين من فبراير الجاري، وقد تضمن نقاط في غاية الأهمية؛ مثل إخفاق معلمي جميع المراحل والمواد الدراسية، ممن يدرسون موادهم الدراسية باللغة العربية، في اختبار الكفاءة في اللغة العربية. وكذلك تحذيرات أساتذة العربية بجامعة الإمارات من استمرار تدني مستويات تدريس اللغة العربية بسبب اعتماد اللغة الإنجليزية في تدريس المناهج المختلفة. إضافة إلى تراجع الساعات المخصصة لتدريس اللغة العربية في كل الجامعات تقريباً، وتناقص عدد الطلبة في أقسامها بنحو الخمس. أما الأمر الثاني فهو المبادرة التي قامت بها الأسكتلندية عائشة هاملتون، بإنشاء حضانة لحماية اللغة العربية في الدولة، وقد نشرت خبرها الصحافة المحلية، وهي مبادرة تستحق الإشادة كونها جاءت نتيجة خشية "هاملتون" على اللغة العربية التي تعاني من التراجع والإهمال، ومن أن يعرضها ذلك لمصير اللغة الأسكتلندية التي لم يعد يستخدمها اليوم سوى 50 ألفاً من أهلها البالغ عددهم 5 ملايين نسمة. وفي ذلك رسالة مهمة إلى أبناء اللغة العربية. ما سبق يشير إلى أن اللغة العربية تعاني من إشكالية، لاسيما في مجال التعليم بعد أن أصبحت اللغة الإنجليزية سيدة الموقف، فزادت التحديات التي تواجهها، وأهمها تأثيرات ثقافة العولمة، والمد اللغوي الأجنبي الجارف، وتدني مستويات التعامل بها في المدارس والجامعات، والعديد من المؤسسات. لقد ظهرت في السنوات الأخيرة تحذيرات كثيرة في أوساط مختلفة من خطر الفجوة المتزايدة بين هذه اللغة وبين أبنائها، وزيادة حالة ضعف التحدث بها والكتابة بين طلاب المدارس والجامعات وحتى الأكاديميين والمثقفين وأصحاب الفكر ورجال السياسة... فعُقدَ الكثير من المؤتمرات والندوات التي طالبت بوضع حلول جذرية لهذه الإشكالية أو الوضعية التي أصبحت عليها اللغة العربية في عقر دارها. لكن تلك المطالب الأفكار والتحذيرات ذهبت سريعاً إلى أدراج النسيان. إن واقع العربية اليوم يثير الكثير من الخوف والقلق، فكثافة استعمال اللغة الإنجليزية قد يقود إلى مخاطر عديدة ما لم تكن هناك إجراءات كافية. ولا شك أن مركزية اللغة العربية وأهميتها تنبع من كونها لغة القرآن الكريم، والوعاء الذي يحفظ للأمة كيانها ودينها وحياتها وتراثها وتاريخها وحضارتها وثقافتها ووحدتها ورباطها المتين. كما أن قوة اللغة من قوة الأمة وضعفها من ضعف الأمة أيضاً. وقد أدرك القادة والعلماء والمفكرون العرب هذه الحقيقة، وكانت اللغة شعلة النور والنواة حملت الثقافة العربية إلى مختلف بقاع العالم. والنهضة العربية في القرن التاسع عشر في عصر محمد علي كان عمادها تعريب التعليم، ولم تتوقف إلا بعد أن أبدلت بلغة الاحتلال الأجنبي، وحدث ذلك في لبنان وسوريا. وقد ذكرت المصادر أن مدير المعارف في المفوضية العليا للانتداب الفرنسي في سوريا في، "بوثور"، قال في حينه: "لستم مخطئين في اختياركم اللغة العربية للتدريس، بل كونوا واثقين أنكم أحسنتم صنعاً بانتقائها، فمن يزعمون أن العربية غير صالحة للتعبير عن مصطلحات العلم الحاضر، هم على خطأ". والتاريخ يثبت أن لغة الضاد غنية باشتقاقاتها، ومكتفية بكثرة تراكيبها للتعبير عن المعارف والأفكار والمشاعر. وقد استطاع فلاسفة العرب أن ينقلوا إلى لغتهم رسائل أرسطو طاليس، كما نقلوا إليها كتب الطب والهندسة في عهد ابن سينا والغزالي وابن رشد. العربية إذن صالحة لمماشات كل اللغات والعصور، وللتعبير عن الأفكار العلمية الحديثة. وأخيراً فإن من يدافع عن لغته يدافع عن أصله وعن حقه وعن كيانه وعن وجوده الوطني.