تعد جريمة اغتيال المبحوح جزءاً من سياسة التزم العدو الإسرائيلي بتنفيذها ضد جميع خصومه بغض النظر عن الزمان والمكان، وهو في ذلك يتجاوز كل الأعراف والقوانين الدولية معتمداً على براعة جهازه المخابراتي ودرجة الإتقان العالية لفرق الاغتيال المكلفة بتلك العمليات، بحيث لا تترك أثراً لجريمتها، أو أن تختار المكان الذي تستطيع أن تستخدم فيه نفوذها لإغلاق ملف القضية وتقييدها ضد مجهول، ولكن ليس كل مرة تسلم الجرة. لقد جاءت فرقة الاغتيال التابعة للموساد إلى المكان الخطأ وفي التوقيت الخطأ. لقد جاؤوا إلى الإمارات وإلى مدينة دبي تحديداً ونفذوا الجريمة وخرجوا فرحين بإنجازهم لها، بل إن الصحافة الإسرائيلية أخذت تكيل المديح للموساد ولقدراته الخارقة وأسهبت في استعراض السجل الأسطوري لليد الطولى للموساد، التي لا حدود لنطاق عملها، والتي زعموا أنها تستطيع أن تضرب متى شاءت في الزمان والمكان الذي تختاره! وفجأة تغيرت الأمور رأساً على عقب وأصبح المدح ذماً والاحتفال بالإنجاز فضيحة، وذلك كله لأن الإمارات غيرت قواعد اللعبة بقرار سياسي يحمي السيادة الوطنية، وبراعة أمنية أذهلت العالم بأسره، وإخلاص رجال ونساء أوفياء لهذا الوطن عملوا ليل نهار لكشف لغز الجريمة وأرسلوا رسالة واضحة جلية للعالم بأن الإمارات، واحة الأمان، لا يمكن أن تكون مرتعاً لتصفية الحسابات بين الخصوم، وأن جهازها الأمني يملك من المهنية العالية ما يجعله قادراً على التعامل مع كل مخل بالأمن و الاستقرار. وفي مقابل الأسلوب المهني المتميز الذي تعاملت به شرطة دبي مع الجريمة نجد أن حركة "حماس" قد اتبعت أسلوب التخبط والمزايدات السياسية. ففي البداية أرجعت الوفاة إلى أزمة قلبية وأكدت على أن المبحوح لم يكن وحيداً وكانت ترافقه حراسة أمنية، ثم تراجعت عن ذلك كله بعد كشف شرطة دبي الحقيقة أمام العالم. وكعادة مشعل في الرد على الجرائم الإسرائيلية بالتصريحات النارية هدد بالرد في الخارج، وأن إسرائيل هي التي اختارت نقل المعركة للخارج، وهو ما تراجعت عنه "حماس" لاحقاً لأنها أدركت أن هذا هو ما تعمل إسرائيل على استدراج "حماس" للوقوع فيه. وبدلًا من أن تعمل "حماس" على معالجة الحادثة بما يدين العدو ويكشف حقيقته الإجرامية في تجاوز القوانين الدولية تحول الأمر إلى مراشقات إعلامية لتغطية الخلل الأمني في قيادة "حماس" وأصبح الصديق الذي كشف الجريمة وفضح الموساد أمام العالم بأسره هدفاً لهجمات من بعض قيادات "حماس" في أسلوب استفزازي وتحريضي. وكان الأولى بها أن تعقد مؤتمراً صحفياً لتشكر دولة الإمارات على دورها في كشف الجريمة وتحملها مسؤولية متابعة القضية على المستوى العالمي وفق القوانين الدولية بما يكشف للعالم الطبيعة الإجرامية المتأصلة لإسرائيل.