النصيحة الأولى: تجنّب إبداء حماس أكثر من اللازم للانتخابات منذ اليوم وحتى التصويت في السابع من الشهر المقبل. تفيد بذلك قراءة تصريحات كبار المسؤولين، وفي مقدمتهم المالكي الذي حذر من "ورود أموال طائلة من خارج البلاد لتغيير نتائج الانتخابات". ونصيحة لمن يعثر في جيبه على بعض هذه الأموال الطائلة؛ التأكد من أنها غير مزيفة. ففي مؤتمر صحفي بشأن العملة المزيفة عُقد في الناصرية، ذكر بيتر نويل، قائد القوات الأميركية في محافظات الجنوب، أن لدى قواته معلومات استخباراتية بشأن دخول أربعة ملايين دولار مزيف الى محافظة "ميسان"، بهدف التأثير على الانتخابات. وقال نويل: "معظم عمليات التزوير بالعراق تعتمد على الطباعة الرقمية، وقسم منها يتم عن طريق تبييض عملة الخمسة دولارات بواسطة قصرها، ومن ثم إعادة الطباعة عليها بفئة 100 دولار، ويربح المزور بذلك 95 دولارا عن كل ورقة". ورحم الله الجدّة التي كانت تلح في سؤال الجدّ: "يا شيخ اعطي أحفادك كاغد"، وهو اسم الورق منذ العصر العباسي! وقد أربك "الكاغد" تقرير قناة "العربية" حول تسلم "حزب الدعوة" مبلغ ربع مليار دولار من دولة أوروبية. ففي تصريح نقلته "العربية" عن حيدر العبادي، القيادي في "حزب الدعوة"، ذكر أن ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه حزبه "تسلم المبلغ باليد اليمنى وسلّمه باليسرى إلى إحدى شركات الإعلان من أجل حملته الانتخابية". وإثر الضجة التي أثارها التصريح، طلب العبادي من "العربية" تصحيحه، فأصبح التالي: "بخطأ غير مقصود، فُهم الخبر المتعلّق بتصريح النائب حيدر العبادي القيادي في ائتلاف دولة القانون أن هناك ائتلافاً آخر تسلم مبلغ ربع مليار دولار، على أن النائب العبادي يقصد الائتلاف الذي يمثله وهو ائتلاف دولة القانون". ونصيحة تنفع في تصحيح التصحيح، وهي "أنّ" قد يكون حرفاً مصدرياً، أو حرفاً توكيدياً، أو من "صوتٍ لألم وتأوه" حسب معجم "المنجد"! وما بين "أنَّ" ألماً و"أنَّ" ابتهاجاً، دخلت 100 مليون دولار في حساب مدير حملة الرئيس الأميركي أوباما، وذلك "عن قيادة حملة انتخابية ودعائية لقائمة عراقية دينية". وأنفقت أموال "ضخمة على الدعايات الانتخابية في التلفزيون والصحافة والملصقات تفوق ميزانية محافظة كاملة". أعلن ذلك القيادي في "حزب الدعوة" عباس البياتي، وقال: "يتساءل المواطن من أين لهم ذلك؟". وغيّرت الانتخابات المقولة المشهورة لماوتسي تونغ: "السياسة حرب من دون إراقة دماء، والحرب سياسة تُراقُ فيها دماء". فالانتخابات العراقية سياسة تُراق فيها دماء، ودماء كثيرة، إذا صدقت توقعات نائب رئيس الجمهورية. وذكر عبد المهدي في لقاء بالإعلاميين في محافظة "ذي قار" أن "البلد مهيأ للانقلابات، وهناك أربع فرق عسكرية في العاصمة، وأكثر من مليون منتسب في صفوف قوات الشرطة والجيش". وقال إن "هذه الأعداد الضخمة من العسكر جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل لاحتمالية تعرضها للاختراق". والحل هو الاختراق، كما يبدو من المعركة الدائرة في المخابرات العراقية. فالتنقلات الجارية في هذا الجهاز جعلته تحت سيطرة "حزب الدعوة" الحاكم، حسب جمال البطيخ النائب عن قائمة إياد علاوي "العراقية". ونصيحة لأعضاء البرلمان الذي انتهى أجله، بأن يحجزوا لأنفسهم وحاشيتهم عربات في قطار بغداد اسطنبول تحسباً لتأكيد وزير الداخلية "أن نتائج الانتخابات المقبلة ستحيل الكثير من السياسيين إلى التقاعد". وقال البولاني: "إن الكثير من الوجوه التي عهد المواطن رؤيتها ستختفي من البرلمان الجديد". وستختفي معهم الحماية المكثفة التي لن تكون الحكومة القادمة قادرة على تأمينها. فالنواحي الأمنية "حمّلت الدولة أعباء كبيرة جداً بدأت تشعر اليوم بوطأتها بحيث لم تعد قادرة على تنشيط الاقتصاد أو تنفيذ المشاريع بسبب غياب الأموال". ذكر ذلك أياد السامرائي، رئيس البرلمان المنتهية ولايته، وقال إن "الكثير من مؤسسات الحكومة لديها مشكلة في سداد ديونها"، واعترف بأن ذلك أدى "إلى ظهور التوترات داخل الحكومة كما هو معروف"! و"كن محظوظاً، وابق محظوظاً"، هذه نصيحة للقادمين على ظهور الدبابات. فالأصوات ترتفع بـ"عدم السماح لأي مرشح يمتلك جنسيتين بالترشيح للانتخابات البرلمانية المقبلة". وحمّل القيادي في "ائتلاف العراقية" مصطفى الهيتي "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" مسؤولية الالتزام بذلك "وفقا للدستور المعمول به حاليا". ويضمن هذا للنواب المغادرين الحصول على مرتبهم السنوي الحالي البالغ 560 ألف دولار أربع سنوات إضافية، يتقاعدون بعدها بمبلغ يصل 72 ألف دولار، مع جواز سفر دبلوماسي للنائب وأفراد أسرته، ومخصصات حماية. والأجر على قدر المشقة، التي خلّفها البرلمان السابق للفائزين من المرشحين في الانتخابات المقبلة، والبالغ عددهم، حسب مفوضية الانتخابات، 6218 مرشحاً، بينهم 1798 امرأة. فبانتظارهم "ثلاثة آلاف ملف فساد بحق وكلاء وزارات ومدراء عامين ومسؤولين، إضافة إلى استغلال منصب واستحواذ على المال العام لم يجر التحقيق بها رغم اكتمال ملفاتها". ذكر ذلك صباح الساعدي، رئيس لجنة النزاهة في البرلمان المنتهية ولايته. وخذ النصيحة من حكمة المهزومين، التي تقول "الاختبار الحقيقي للفوز لن يتمثل في سلوك الفائزين عندما تعلن نتائج الانتخابات أخيراً، إنما يتمثل في الكيفية التي سيقبل بها الخاسرون نتائجها". ذكر ذلك سفير واشنطن في بغداد. والنتائج تعرفها القوة الأعظم التي توقعت أن يكون غزو العراق كقطع السكين في "الكيك"، فكانت النتيجة قطع رؤوس وأطراف الآلاف من مجنديها، إضافة إلى أكثر من تريليون دولار نفقات الحرب التي لم تتوقف إلى الآن، وصواريخ تتساقط حتى اليوم على قلعتها في المنطقة الخضراء. والنصيحة الأخيرة للإعلاميين الذين يغطون الانتخابات، وعددهم، حسب "المفوضية العليا للانتخابات"، 275 إعلاميا محليا و240 دوليا. فعلى من يريد الاحتفال بالانتخابات أن يفعل ذلك داخل مقبرة عامة، حيث يمكنه، كبطل النكتة الذي ألقت الشرطة القبض عليه بتهمة القصف والعربدة فادّعى أنه كان خارجاً لقضاء حاجة وراجع للقبر حالاً"! سبعة آلاف عام من تاريخ العراق تتطلع اليوم إلى أهلنا وتبكي. هذا البلد المبدع الذي وصل بين الحضارات والأديان والمذاهب والعلوم والفلسفات، كيف تدبرتم تقطيع روحه أوصالا متنافرةً؟ يا إلهي، العراقيون يعرفون من هم، ولعلهم يرون وقد اغتسلت عيونهم بدمائهم ما يمكنهم أن يكونوا.