الشتاء لم ينسلخ بعد في القارة الأوروبية، وموجة الصقيع فيه سجلت هذا العام مستويات برودة ملفتة، وبوابات المتنزه العام تبقى دائماً مفتوحة على مصراعيها لكل من هب ودب. ولذا فلا خصوصية ولا راحة لهذه العجوز المتشردة حين قررت الليلة المبيت هنا في هذا المتنزه العام في وسط العاصمة المجرية بودابست، لأن العيون المتلصصة يمكن أن تمسح بصرياً كل موجوداتها وكأنها في بيت من الزجاج، والأيدي العابثة تستطيع، على رغم السياج، سرقة أغراضها الخاصة بسهولة، بما في ذلك كيس النوم والمرتبة! أما الكلاب السائبة والقطط الشاردة، فجزء لا يتجزأ من المتنزه، ووجودها هنا، وعبثها بالأواني والصحون، تحصيل حاصل. يذكر أن مئات المشردين يعيشون وينامون في شوارع العاصمة المجرية، ومعظمهم يرفضون المبيت في الملاجئ الليلية التي توفرها السلطات لأنهم يخافون أن تسرق فيها أغراضهم ومتعلقاتهم الخاصة. ولعل تفشي ظاهرة المشردين في حد ذاتها يؤشر بقوة إلى حجم الاختلالات البنيوية القائمة في دول وسط وشرق أوروبا الآن، حيث تخلت الحكومات، بعد سقوط المعسكر الشرقي السابق، عن التزامات النظام الاشتراكي تجاه السكان، دون أن تحقق لهم أيضاً فرص النظام الرأسمالي حتى الآن. وعلى هامش المخاض المرير بين النظامين، والمرحلتين، تتساقط الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة، دون رحمة، على جنبات الطريق.