تبدو المنطقة حابسة أنفاسها وهي تسير على حافة الهاوية من تجاذب ملف إيران النووي، إلى تورط جهاز الموساد الإسرائيلي المحرج الذي فقد هالة التفوق المزعوم عندما تم قهره في دبي على خلفية اغتيال المبحوح. هذا وصولاً إلى استمرار قرع طبول حرب وتوازن رعب حرج آخر بين "حزب الله" وإسرائيل. ويبدو المشهد الإقليمي محتقناً أيضاً مع توزيع للأدوار وتباين في المواقف والتصريحات بين المسؤولين الأميركيين من سياسيين وعسكريين. ففي الوقت الذي يحذر فيه القادة العسكريون الأميركيون من أمثال رئيس هيئة الأركان من تداعيات أي عمل عسكري، وينضم إليهم في ذلك قادة عسكريون روس، نسمع من القادة السياسيين من أمثال أوباما ونائبه ووزيري الخارجية والدفاع خطابات ذات نبرة عالية تهدد وتتوعد، وتقرع طبول الحرب، وتحذر دول المنطقة من المخاطر المحدقة. وكان نجاد قد وصف تصريحات كلينتون بأنها "غير حكيمة. ولا نأخذ تصريحاتها على محمل الجد". ومن الواضح أن واشنطن قد نفد صبرها وغيرت استراتيجيتها كما يقول ريتشارد ميرفي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، الذي يؤكد انتقال الموقف الآن "من مرحلة الحوار إلى مرحلة الاحتواء". مع استبعاد العمل العسكري في الوقت الراهن لإفساح المجال أمام العقوبات. وفي هذه الأثناء تزداد حدة الحملة المناوئة لإيران على الصعيد الدولي وتواتر الحديث عن العقوبات التي تسعى إدارة أوباما لفرضها عليها بمعية الدول الغربية الكبرى. والظاهر أن هناك تحركات ضاغطة على كل من روسيا والصين مما قد يقلص ممانعة موسكو وبكين ضد فرض عقوبات وذلك بسبب التحدي الذي تظهره طهران، وخاصة مع تصريحات صدرت في احتفالات ذكرى الثورة تقول إن إيران أصبحت "أمة نووية". كما أتى أول تقرير من مدير عام وكالة الطاقة الذرية الجديد الياباني بتلميحات خطيرة مؤداها الخشية من قيام إيران بأنشطة في السابق وحالياً تهدف إلى صناعة شحنة نووية يمكن أن تُحمل على صاروخ. وكذلك نجاح إيران في إنتاج الشحنة الأولى من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 20 في المئة. أما مستشار الأمن القومي الأميركي فكان واضحاً في تأكيده أن واشنطن "لن تقبل بوصول إيران للقدرات اللازمة لتصنيع القنابل النووية. فأمر كهذا سيتسبب في سباق تسلح نووي في المنطقة". وفي الوقت ذاته تنشط الحرب النفسية بين الأطراف المعنية، أي بين الغرب ومعه إسرائيل من جهة، وإيران وحلفائها في المنطقة، من جهة أخرى. وعلى ذكر إسرائيل، كانت ملفتة الانتكاسة التي تعرضت لها إسرائيل وجهاز الموساد بعد اغتيال المبحوح في دبي قبل شهر. ولا شك أن ما أظهرته شرطة دبي من حرفية عالية أذهل إسرائيل وفكك وفضح شبكتها وغطرستها، وأهان الاستخبارات الإسرائيلية التي بدأت حتى الصحف العبرية في الاستهزاء بها وبذكائها المزعوم، مطالبة باستقالة مدير جهاز الاستخبارات الإسرائيلية مائير داغان، الذي كان الفريق ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دبي قد طالب باعتقاله إذا ثبت تورطه في عملية الاغتيال. وأخيراً وعلى صلة باستمرار أجواء الاحتقان تبدو إيران في موقع المدافعة عن مواقفها والمنتقدة لواشنطن في توازن رعب يهيمن على المنطقة. وللأسف في غياب أفق حل ستستمر المنطقة هكذا في حراك مستدام على حواف الهاوية حتى تتغير الظروف والمعطيات.