فيما يبدو أن الآمال التي علقها كثير من المسلمين على وجود الرئيس أوباما في البيت الأبيض، أصبحت آخذة في التلاشي بعد عام على انتخابه، اختار أوباما مناسبة انعقاد منتدى "أميركا والعالم الإسلامي" في الدوحة، ليعلن تعيين رشاد حسين مبعوثاً خاصاً عنه لدى منظمة المؤتمر الإسلامي. وقال عنه في كلمة مسجلة وجهها عبر الفيديو إلى المنتدى، يوم 13 فبراير الجاري، إنه "محام ماهر ومساعد مقرب ومحترم من قبل فريقي في البيت الأبيض". فمن هو رشاد حسين؟ وما هي واجبات مهمته الجديدة؟ وهل سيتمكن من النهوض بأعبائها؟ رشاد حسين، هو -باختصار شديد- محام وأكاديمي أميركي مسلم، من أصول هندية، يعمل ضمن الطاقم القانوني للرئيس أوباما، يتميز بتعليمه وسنوات عمله في كواليس الإدارة الأميركية. ففي ستينيات القرن الماضي حلّ الزوجان الهنديان، المهندس أكبر حسين والطبيبة رقية حسين، بالولايات المتحدة، فعمل كل منهما في مجاله ومارسا التدريس في بعض الجامعات، ثم حصلا على الجنسية الأميركية. وفي عام 1978 رزقا بابنهما الثالث رشاد، فترعرع بينهما في مقاطعة "بلانو" بولاية تكساس، وكان تلميذاً متفوقاً، وبعد التحاقه بجامعة كارولاينا الشمالية في "تشابل هيل"، حصل منها على شهادة البكالوريوس في الفلسفة والعلوم السياسية والقانونية، بمرتبة الشرف، خلال عامين فقط بدلا من أربعة، كما نال شهادة تتيح له ممارسة المحاماة. ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة هارفارد حول حضارة الشرق الأدنى ولغاته. أما شهادة الدكتوراه فنالها من جامعة "يل" في مجال الفلسفة، وكان موضوعها "تقييم الآثار الإيمانية لنظرية الانفجار الكوني العظيم"، وقد أحرزت أعلى تقدير أكاديمي. ومن جامعة "يل" أيضاً، وكان محرراً لمجلتها القانونية، حصل على شهادة دكتوراه أخرى في مجال القانون. وإلى ذلك يتمتع رشاد حسين بسجل مهني متميز، وقد بدأ حياته العملية في وزارة العدل عام 1998، حيث عمل كاتباً قانونياً للقاضي الشهير "دامون جيه" في محكمة الاستئناف بولاية ميتشيجان. ثم عُين محامياً في الدعاوى القضائية بوزارة العدل، وعمل مستشاراً قانونياً بإحدى شركات المحاماة الخاصة، قبل أن يصبح مستشاراً قانونياً في اللجنة القضائية بمجلس النواب الأميركي. وبعد وصول أوباما إلى البيت الأبيض، عُين رشاد نائب المستشار القانوني للرئيس، فشارك في أنشطة تتناول بعض القضايا من منظور الأمن القومي الأميركي، كما عمل مع لجنة خاصة داخل مجلس الأمن القومي الأميركي تهتم بتطوير الشراكة مع العالم الإسلامي، وبتنفيذ ما جاء في خطاب أوباما من القاهرة، وهو الخطاب الذي ساهم رشاد في تحضيره وصياغة كثير من أفكاره، ثم في محاولة تنفيذه، حيث قال أوباما شخصياً في كلمته لمنتدى الدوحة، إن رشاد "اطلع بدور محوري في تنمية شراكات كنت قد أعربت عن رغبتي في إقامتها من جامعة القاهرة". وفيما يخص محتوى وطبيعة مهمته الجديدة، فقد أوضح رشاد في أول تصريح أدلى به بعد تعيينه، أن خطاب جامعة القاهرة يشكل مرجعية التعاون بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وأن مهمته جزء من التزام أوباما تجاه المسلمين حول العالم، كونها تستهدف تعزيز علاقات الاحترام والتعاون بين الجانبين في مجالات التعليم والعلوم والتكنولوجيا والصحة والمقاولات وبرامج التعاون... علاوة على مناهضة التطرف والعنف، وإزالة الصور السيئة عن أميركا في العالم الإسلامي. ولا شك في الأهمية التي يستشعرها قرار تعيين مبعوث خاص لأوباما لدى منظمة المؤتمر الإسلامي، فالمنظمة التي تضم 57 بلداً تمثل ثاني أكبر تجمع دولي بعد الأمم المتحدة، وتشكل أضخم كتلة سكانية على وجه المعمورة. وللولايات المتحدة مصالح استراتيجية كبيرة في هذا المجال الواسع الممتد من داكار إلى جاكرتا؛ مصالح تشمل الطاقة والتجارة والأمن... لكن مما يصعب علاقة الجانبين الدور الأميركي في جهات من العالم الإسلامي (خاصة في فلسطين والعراق وأفغانستان)، وموقف واشنطن المؤيد لدولة الاحتلال الإسرائيلي. مع العلم أن تغيير سياسات "راسخة" كهذه ليس مما يدخل في صلاحية المبعوث رشاد، بل واجبه أن يبررها ويدافع عنها أمام المنظمة. وإلى ذلك فثمة صعوبة أخرى تنبع من حقيقة التباينات الشديدة بين دول المنظمة ذاتها، سواء لجهة مواقفها ومطالبها واحتياجاتها، أو لجهة العلاقة مع الولايات المتحدة نفسها. ومع ذلك فأوباما حريص على إنجاح مهمة مبعوثه الخاص للعالم الإسلامي؛ إذ اختاره شاباً مسلماً على مستوى علمي وأخلاقي رفيع، ومما قاله عنه في كلمته لمنتدى الدوحة إنه "حافظ للقرآن الكريم"، فيما زادت وسائل الإعلام الأميركية بالقول إنه "مسلم ملتزم" بتطبيق فرائضه الدينية، إلى جانب اهتمامه الشديد بالثقافة الإسلامية ولغاتها الشرقية. ومرة أخرى، فإن الخلفيات الشخصية والمهنية غير كافية لأداء مهمة بذلك الحجم، كما أن مجرد استحداث منصب لا يكفي لتغيير علاقات دولية يطبعها التعقيد. فقد كان بوش هو من استحدث هذا المنصب عام 2008 وأسنده لرجل الأعمال المسلم، الباكستاني الأصل، "سادا كومبر"، ورغم ذلك لم يطرأ تحسن ملحوظ على مجرى العلاقات الإسلامية الأميركية. لذلك فربما يبدو اليوم أن قرار تعيين هندي مكان باكستاني، يندرج ضمن لعبة الأعراق والأصول الدائرة بنشاط في أميركا الأوبامية، أو يدخل تحت شعار "التغيير" الذي رفعه أوباما خلال حملته الانتخابية، وبموجبه دخلت المصرية داليا مجاهد، كأول محجبة، مستشارةً في البيت الأبيض. كما عُين الهندي المسلم "راجيف شاه" رئيساً للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ثم "فرح بانديت"، وهي مسلمة من أصل هندي أيضاً، كمندوبة خاصة للتواصل مع المسلمين... فماذا بقي لرشاد من مهمة "التسليك" التي لم يتحقق منها أقل القليل إلى الآن؟ محمد ولد المنى