فرنسا تجدد الالتزام تجاه هايتي... والصين تصعِّد إزاء أميركا! التزام فرنسا الراهن تجاه هايتي، وخلفيات التجاذب الأميركي- الصيني، وأسباب استقالة أعلى مسؤول أممي عن التغير المناخي، موضوعات استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات وصفحات رأي الصحف الفرنسية. زيارة ساركوزي لهايتي استقطبت زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لهايتي اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية، خاصة لجهة دلالتها على قوة انخراط باريس الراهن في المجهود الدولي لإعادة إعمار ذلك البلد المنكوب. في افتتاحية كتبها "كزافييه بانون" في "لامونتان" ثمن تجدد التزام فرنسا الآن تجاه هايتي بعد زلزال الشهر الماضي، وذلك من خلال تقديم كل أشكال الدعم المادي على رغم صعوبة ظروف الأزمة المالية العالمية. ونظراً لجسامة الرهان فإن ذلك البلد الذي يرزح بشكل مزمن في ظروف من الفاقة والفقر تفوق الوصف ما زال أيضاً ينتظر الكثير من فرنسا. غير أن أي دور فرنسي محسوس في تلك الجزيرة الكاريبية ينبغي أن يعرف أنه يتحرك في أرض تتقدم الآن الولايات المتحدة صفوف المانحين فيها وتتولى مهمات تنسيق جهود الإغاثة بشكل كبير. ودور أميركا القيادي هناك يتأسس هو أيضاً على خصوصيات كثيرة ليس أقلها رغبة واشنطن في تفادي انهيار هايتي - مع ما قد يعنيه ذلك من موجات هجرة واسعة إليها- هذا زيادة على أن ماضي علاقة واشنطن و"بور أوبرانس" يدعم أيضاً خصوصية العلاقة الراهنة بينهما، حيث ظلت الأخيرة تقليدياً ضمن مجال النفوذ الأميركي. وأكثر من ذلك ربما يشعر الرئيس أوباما، الباحث عن تسجيل إنجازات بأية طريقة، بأن مهمته السلمية في هايتي أسهل بكثير من مهمته الحربية في أفغانستان. والشاهد في كل هذا أن فرنسا ومن ورائها أوروبا، يتعين عليها هي أيضاً مساعدة هايتي، وذلك لتحقيق غايتين: تعزيز استقلال الجزيرة من جهة، وإعادة إعمارها من جهة أخرى، بالتعاون مع بقية أطراف المجتمع الدولي، حتى لو لم يتم وضع جهود الإعمار تحت إشراف الأمم المتحدة. وفي سياق متصل خصصت صحيفة لوموند افتتاحية لزيارة ساركوزي قالت في مستهلها إن هذه المبادرة من سيد الأليزيه تطوي تاريخاً مؤلماً ومريراً. فمنذ استقلال هايتي الدموي عن الاستعمار الفرنسي سنة 1804، لم يزر أبداً أي رئيس فرنسي تلك الدولة، وكأنه كان لابد من زلزال 12 يناير الماضي المدمر، لتصحيح مثل هذا الخطأ التاريخي. وفي حضور الرئيس الهايتي رينيه بريفال تحدث ساركوزي عن ماضي بلاده الاستعماري في ذلك البلد قائلا: "إن فترة وجودنا هنا لم تترك أبداً سوى أحسن الذكريات"! ومع ذلك لم يتردد في الوقت ذاته في الإشارة إلى ما وقع خلال ذلك الزمن الغابر من ممارسات استعمارية خاطئة وإجرامية، كنهب الثروات، والاستغلال اللاإنساني للرقيق من قبل المستوطنين الأوائل، واقتراف المجازر في صفوف النخب، والالتزامات المالية الباهظة التي فرضها لويس العاشر سنة 1825 كشرط للاعتراف باستقلال الجزيرة! ويحسب لساركوزي، هنا تحديداً، قوله إنه يتحمل باسم فرنسا المسؤولية عن كل ذلك. ومفهومٌ أن مثل هذا الاعتراف الخاص ينبغي أن تترتب عليه التزامات خاصة فيما يتعلق بجهود المساعدة والتضامن الراهنة. وهذا ما فعلته باريس، ويمكن التدليل عليه بلغة الأرقام اليوم، حيث أسقطت 56 مليون يورو من الديون المستحقة على هايتي، والتزمت زيادة على ذلك بتوفير عون بقرابة 300 مليون أخرى للجزيرة، خلال سنتي 2010- 2011. واعتبرت لوموند أن هذه الزيارة وحزمة المساعدات يأتيان استعداداً من ساركوزي للمؤتمر الدولي المخصص لمساعدة هايتي الذي ستستضيفه نيويورك في 31 مارس المقبل. غير أن ما لم يتحدث عنه الرئيس الفرنسي في زيارته التي دعا فيها لطي صفحة أخطاء الماضي بين بلاده ومستعمرتها السابقة، هو حساسية باريس الخاصة تجاه الدور الأميركي في تلك الجزيرة الكاريبية. وإن كان تركيزه على ضرورة إعادة بناء هايتي على أسس جديدة، وعقد اجتماعي جديد، وبقدرات ذاتية، يعني في المحصلة أن تأخذ تلك البلاد مصيرها بيدها. وهنا التحدي الأكبر. ولعل الرئيس الهايتي نفسه، رينيه بريفال، قد أغناه عن الاستفاضة في ذلك ببلاغة حين قال: "إن البلد ليس بحاجة إلى إعادة إعمار، وإنما هو بحاجة أصلاً إلى إعمار". وهي كلمة تقول كل شيء. تجاذب أميركي- صيني هوبير كوتيرييه حلل في افتتاحية لـ"لوتلغرام" خلفيات الاحتقان الراهن الذي تشهده العلاقات بين بكين وواشنطن، والذي بلغ ذروته مع استقبال أوباما يوم الخميس، للزعيم الديني التيبتي "الدلاي لاما". واعتبر الكاتب أن أجواء العلاقات بين الدولتين كانت مشحونة أصلا بسبب صفقة الأسلحة الأميركية الأخيرة لتايوان، التي اعتبر الطرف الأميركي ردود فعل الصين عليها مبالغاً فيها، تماماً كطريقة التصرف الخشنة التي أبداها التنين الأصفر في قمة كوبنهاجن حول المناخ. ويعتقد "كوتيرييه" أن هذا التصعيد في المواقف الصينية مرشح للتزايد مستقبلاً، وذلك بالنظر إلى المكانة الاستثنائية التي أصبح العملاق الآسيوي يحتلها على المسرح الدولي، والتي يريد من القوى الدولية الأخرى وضعها في الاعتبار. وفي هذا السياق ليس سراً أن الصين تزيح الآن اليابان عن ترتيب ثاني اقتصاد في العالم، كما أنها مرشحة لتجاوز أميركا نفسها سنة 2020 لتصبح القوة الاقتصادية العالمية "رقم واحد". ولذا فإن على القوى الدولية الكبرى، وخاصة الغربية، أن تتفهم حجم التحول الحاصل الآن في موازين القوى لصالح الصين، ومن ثم أن تتصرف بوضع ذلك في الاعتبار. ومن جهتها رصدت صحيفة لوفيغارو حدة ردود الفعل الصينية، ساعية لتفسير أسبابها وانعكاساتها على علاقات الصين وأميركا في المدى المنظور. واعتبرت الصحيفة أن محاولات أوباما احتواء استياء الصين من استقباله لـ"الدالاي لاما" في قاعة أخرى غير المكتب البيضاوي، لم تثمر شيئاً، فجاء الاحتجاج الصيني قوياً، ووصل إلى حد اتهام واشنطن بأنها تدعم "القوى الانفصالية"، و"تتدخل في شؤون الصين الداخلية"، وتتنكر لمقتضيات القانون الدولي. غير أن أوباما، تقول لوفيغارو، لم يفعل من خلال هذا الاستقبال سوى ما كان الرؤساء الأميركيون - منذ عهد بوش الأب- يفعلونه بانتظام. وفي سياق منفصل رصدت لوفيغارو أيضاً، من واقع استطلاعات الرأي، تنامي الشكوك في صفوف الرأي العام الأميركي تجاه أداء أوباما وإدارته. فلأول مرة أكد استطلاع للرأي هذا الأسبوع شاركت في تنظيمه "سي. إن. إن" أن 44 في المئة فقط من المستطلعة آراؤهم هم من يوافقون على انتخاب أوباما، لو كان سيترشح الآن، مقابل 52 في المئة عبروا عن خيبة أملهم في إدارته مؤكدين أنهم سيصوتون لأي مرشح آخر غيره. وتستخلص لوفيغارو من نتائج هذا الاستطلاع أن الهالة التي أحاطت بسيد البيت الأبيض أيام فوزه في نوفمبر 2008 قد تآكلت الآن، وتلاشت بشكل واضح. استقالة "السيد احترار" افتتاحية صحيفة لوموند ليوم أول من أمس ناقشت أسباب استقالة أعلى مسؤول في الأمم المتحدة معني بمسألة الاحتباس الحراري، وهو الهولندي "إيفو دي بوير". وقالت إن من شأن هذه الاستقالة أن تعزز أجواء الشك الدولية حول المسألة المناخية وتزيد من دواعي التشاؤم الكثيرة بصددها. والمفارقة أن قطاعات واسعة من الرأي العام، ووسائل الإعلام، وحتى في الأوساط السياسية، عادت الآن مجدداً للتشكيك في وجود احترار عالمي من الأساس، متسائلة إن كان كل ما قيل ويقال عن هذا الأمر خلال السنوات الأخيرة مجرد تلفيقات وإدعاءات زائفة؟! وعما إن كانت كل هذه المزاعم حول الاحتباس مجرد أكاذيب؟! بل إن شتاء هذا العام الذي صنفته جهات الرصد الجوي على أنه "أبرد من المعتاد" ربما يشجع مثل هذه الهواجس! فها هو الثلج الكثيف يتساقط، فأين الاحترار؟! وتذهب الصحيفة إلى أن استقالة "دي بوير"، يوم الخميس الماضي، من منصب السكرتير التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة حول التغير المناخي، وهو الرجل الذي كان يسمى في أوساط المنظمة الدولية "السيد إحماء" أو احترار، إنما هي اعتراف منه بعقم الجهد الدولي في هذا المجال، واستحالة تحقيق شيء فيه في الظرف الراهن، وخاصة بعد الفشل الذريع لمؤتمر كوبنهاجن الأخير، الذي كان "دي بوير" في مقدمة العاملين من أجل اجتراح أي إنجاز فيه، دون جدوى. ونجد، أخيراً، طرحاً قريباً من هذا في افتتاحية أخرى كتبها "دانيل رويز" في "لامونتنان" تحدث فيها عن الأسباب الحقيقية لاستقالة "دي بوير"، ساعياً بطرف خفي، إلى تأكيد قوة حجج المشككين في وجود شيء يسمى التغير المناخي من الأساس. إعداد: حسن ولد المختار