مؤخراً شهدت، وبمجرد المصادفة، مشهدين متشابهين تقريباً؛ أحدهما لفتاة في الخامسة عشر من العمر غارقة في كتاب حول اللوحات الفنيّة، والثاني لصبيين في الخامسة عشر من العمر أيضاً وقد بديا مذهولين بزيارة متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس. لم يصدق أهالي الأولاد الثلاثة ما رأوه من انشغال وشغف باديين على مراهقين في السن، فقد نشؤوا (الأولاد) في بلدان علمانيّة أثّر نقص الخلفيّة الدينيّة فيها بشكلٍ واضح على قدرتهم على استساغة الفن الذي كانوا يشاهدونه. لكن مع ذلك فإن المراهقين الثلاثة تمكنوا من الوصول إلى الإدراك بأن الأفراد البائسين في لوحة "طوف الميدوزا"، للفنان تيودور جيريكو، نجوا للتوّ من غرق السفينة. كما استطاعوا أن يفهموا أن الشخصين المرسومين في لوحة "القبلة"، للفنان فرانسيسكو هايز، كانا عاشقين مدلهين. بيد أنّهم عجزوا عن فهم السبب الذي دفع "فرا أنجليكو" إلى رسم فتاة تتحدث إلى مثليٍ جنسي ذي أجنحة في لوحة "البشارة". كما لم يفهموا لماذا كان الرجل يبدو بائساً في حين كان على رأسه قرنان يبعثان أنوارٍاً مشعة وهو يهبط إلى سفح جبل حاملاً لوحين خشبيين ثقيلين في لوحة "موسى ويحطّم لوحة الوصايا" لرامبرنت. بيد أن بعض مشاهد المهد كانت مألوفة بالنسبة لهؤلاء الشبان؛ إذ سبق لهم أن شاهدوا أيقونات مماثلة في الماضي. غير أنّهم لم يملكوا أدنى فكرة عن الرجال الثلاثة المتدثّرين بعباءات وقد وضعوا التيجان على رؤوسهم حين كانوا يدخلون إلى الكنيسة... إذ لم يكن الشبان يعرفون من هؤلاء الرجال، أو لماذا كانوا موجودين! من الصعوبة بمكان فهم ثلاثة أرباع الفن الغربي تقريباً إذا ما كنت تجهل أحداث العهدين القديم والجديد، إضافةً إلى قصص القديسين. وكمثال آخر؛ من هي تلك الفتاة التي تنظر إلى الصحن؟ أهي خارجة من فيلم "ليلة الموتى الأحياء"؟ وهل ذلك الفارس الذي يشق الثوب إلى حملتين هو ضد أرماني؟ في العديد من الدول الغربية يتعلّم أطفال المدارس القصة الكاملة حول موت هكتور، في حين أنّهم لا يدرسون شيئاً عن موت القديس سيباستيان. كما أنّهم ربما يأخذون دروساً وتوضيحات حول زفاف قدموس وهرموني، في حين قلّ أن يؤتى على ذكر عرس قانا أمامهم. بينما في دولٍ غربية مسيحية أخرى يتم حشو رؤس التلاميذ بمحطات الصلب، في حين يبقونهم غارقين في ظلام "النساء اللواتي يرتدين ملابسهن في الشمس" واللواتي يظهرن في كتاب الوحي. وغالباً ما تحدث أسوأ مواقف الخبل عندما يسافر الغربيون (ليس فقط ذوي الأعوام الخمس عشرة) ويشاهدون أيقونات دينيّة تنتمي إلى ثقافات أخرى، وهو الأمر الذي يحدث يومياً وبشكلٍ متزايدٍ في هذه الحقبة، لاسيما أنّ الغربيين يسافرون إلى بلدان بعيدة في أصقاع المعمورة، رغم أن أشخاصاً كثيرين من هذه البلدان باتوا يعيشون في الدول الغربية أو بلدانهم، لكنهم في الحالتين متشربون بثقافة الغرب. أنا لا أتحدّث هنا عن ردود فعل الغربيين المرتبكة عند مشاهدة قناعٍ إفريقي أو عن ضحكهم عند رؤية مجسم بوذي ضخم جداً. وفي الواقع، فإن عدداً كبيراً جداً من الأشخاص الغربيين يهزون رؤسهم غير مصدّقين عندما يعرفون أن الهندوس يعبدون إلهة لها رأس فيل، في حين لا يتعجّبون من تصوير الروح القدس من خلال حمامة. يمكن تحاشي الكثير من الارتباك إذا ما زوّدت المدارس التلاميذ بالمعلومات الأساسيّة حول تعاليم مختلف الديانات وتقاليدها. وكي لا نقول إن ذلك ضروري، ينبغي أن نقول أيضاً إنه لا يتعيّن تعليم الأطفال حول زوس وأثينا لأنهما ليسا سوى شخصيتين من الخرافات التي كانت مخصصة للسيدات المسنات في اليونان القديمة. وفي الواقع يشكّل حصر التعليم الديني وتقديمه وفق وجهة نظر عقيدة واحدة (على غرار ما يحدث في إيطاليا مثلا) أمراً في غاية الخطورة. فالتلاميذ غير المؤمنين (أو على الأصح أبناء الأشخاص غير المؤمنين) سينسحبون من مثل هذه الدروس وسيفوتون بالتالي فرصة اكتشاف العناصر الثقافيّة الأساسيّة ولو بالحد الأدنى. أضف إلى ذلك أنه في أغلب الأوقات لا تأتي هذه الدروس على ذكر أي معلومة مفيدة حول تقاليد الديانات الأخرى. وفي المدارس الإيطاليّة الرسميّة يتم إعطاء ساعة درس الدين الاختيارية الأسبوعية من قبل مدرّسين رومان كاثوليك تدفع الدولة أجرهم. ويمكن أن يشكّل هذا الموضوع مادّة لمناقشات أخلاقية حول مواضيع مهمّة، كواجباتنا حيال أبنائنا، أو حول طبيعة إيماننا الديني، فيما لا نزال نلغي المعلومات التي ستمكن التلاميذ من التمييز بين لفورنرينا في لوحة رفاييل وبين مريم المجدليّة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أبناء جيلي في إيطاليا درسوا الكثير حول هوميروس ولم يتعرّفوا قط على أسفار موسى الخمسة (الكتب المقدّسة العبرية الأولى). لقد كانت دروس تاريخ الفن بشعةً في المدرسة الثانويّة. أمّا في حصص الأدب فكانوا يدرسوننا بورتشيلو شاعر فلورانسا ويغفلون أي ذكر لشكسبير. لكن بالرغم من ذلك، فقد تمكّنا من النفاذ إليها بجهود خاصة، أساساً لأن الناس والثقافة السائدة، أتاحا لبعض هذه المعلومات أن تصل إلينا. وفي المحصّلة، فإنّ مأزق هؤلاء الشبان ذوي الخمسة عشر عاماً، والذين كنت أتحدّث عنهم تواً وقلت عنهم إنهم لم يستطيعوا التعرف على الحكماء الثلاثة، جعلني أدرك أن شبكة معلوماتنا الواسعة تقدّم لنا معلومات أقل حول وقائع مفيدة بالفعل، وتزوّدنا بمعارف أكثر حول أمور عديمة الفائدة في أغلب الأحوال، إن لم أقل في مطلق الظروف والشروط والوقائع!