رغم تحديد السابع من مارس 2010 موعداً لانطلاق الانتخابات البرلمانية العراقية، فإن عمليات خلط الأوراق مع اقتراب ذلك الموعد تجري على قدم وساق، سواء في داخل العراق أو من خارجه. ويتجلى ذلك فيما تم تنفيذه من هجمات إرهابية على مقرات عدد من الكتل والأحزاب في بغداد وغيرها، فتلك العمليات تهدف إلى زعزعة الاستقرار وتشتيت انتباه العراقيين بغرض منعهم من الذهاب إلى صناديق الاقتراع. وعلى ضوء ما حدث أثناء التجربة الانتخابية البرلمانية التي جرت عام 2005 يمكن القول بأن أسلوب تفجير المقرات، وتهديد الناخبين والمرشحين ومن يعمل معهم في حملاتهم، أثبت بأنه أسلوب يؤثر سلباً على مشاركة المواطن العراقي، ربما خوفاً على حياته أو لأسباب أخرى. ويبدو أن من يريدون زعزعة الانتخابات والتأثير عليها يستهدفون تيارات فكرية وعناصر بعينها، لأنها تمثل فكراً مغايراً لما يعتقدونه هم، فما تشهده مدن العراق هذا الشهر هو سلسلة من التفجيرات بعبوات ناسفة استهدفت مقرات خمس تكتلات وأحزاب سياسية ترغب في المشاركة الانتخابية، هي "جبهة الحوار الوطني"، التي يترأسها صالح المطلك، وقائمة "الكتلة العراقية" التي ينتمي إليها حيدر الملا، وتجمع "الوحدة الوطنية"، الذي يترأسه نهرو عبدالكريم، وحزب "العلماء والمثقفين"، وحزب "الشعب العراقي". وكانت حصيلة التفجيرات هي ثمانية جرحى دون حدوث وفيات، ما يدل على أن العمليات التي نفذت مصممة على إرسال إشارات واضحة لهذه الكتل والأحزاب بعدم المشاركة في الانتخابات، وذلك قبل ممارسة الأسوأ ضدهم، لكن يبدو بأن جميع الكتل والأحزاب المشار إليها ومرشحيها، ماضون حتى الآن نحو المشاركة. تجدر الإشارة إلى أن الكتل المستهدفة هي لأحزاب علمانية، بما في ذلك المكتبان السُنيان اللذان تم استبعادهما من العملية الانتخابية بتهمة الانتماء إلى "البعث". وإحدى هاتين الكتلتين هي "جبهة الحوار الوطني"، التي يترأسها صالح المطلك، وهي جزء من الكتلة العراقية التي تضم تحالفاً علمانياً واسعاً يقوده إياد علاوي أول رئيس وزراء للعراق بعد الاحتلال. وصالح المطلق، هو أحد النواب السُنة الرئيسيين في البرلمان الحالي، ونهرو عبدالكريم ممنوعان من المشاركة في الانتخابات بتهم تتعلق بانتمائهما إلى "البعث"، رغم أن حزبيهما يمكنهما المشاركة بمرشحين آخرين. ونتيجة لما حدث من تفجيرات، وما تتم ممارسته من عمليات ترهيب وابتزاز، أعلنت الكتلة العراقية التي يتزعمها علاوي عن تعليقها حملاتها الانتخابية إذا لم تتخذ الحكومة القائمة والجهات المساندة لها إجراءات تضمن سير الانتخابات بشكل يكفل حق الجميع في المشاركة. انطلاقاً من هذا الموقف، تقدمت الكتلة العراقية بطلبات إلى السلطات العليا في الدولة وإلى المحكمة العليا للتدخل، وبانعقاد سريع للبرلمان بشكل خاص، بالإضافة إلى طلبها اجتماعاً مع الرئيس العراقي ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان. وتهدف دعوة الأطراف السياسية وهيئة الرئاسة للاجتماع العاجل فيما يبدو إلى فسح المجال أمام هذه الكتل والفعاليات السياسية لتدارك إبعاد شخصيات سياسية مهمة من المشاركة في الانتخابات. لذلك فإن عملية الصراع السياسي في العراق ستبقى، وستبقى معها كافة الأطراف المتنافسة والمتصارعة تتناكف وتتناحر سياسياً إلى أن تعقد الانتخابات وتعلن نتائجها، وسيبقى العراق في وسط ذلك، وهو جالس على حد الموسى لا يبدو بأن شفرتها ستبرد قريباً.