تركز الحكومة الهندية بقيادة "حزب المؤتمر" أكثر على علاقات الهند مع العالم العربي، وتبحث بشكل متزايد تكثيف دبلوماسيتها في الخليج. وفي هذا الإطار، من المرتقب أن يقوم رئيس الوزراء "مانموهان سينج" بزيارة إلى السعودية في وقت لاحق من هذا الشهر في إطار جهوده الرامية إلى توسيع نطاق ووتيرة العلاقات بين الهند والسعودية. كما قام وزير الخارجية الهندي "إس. إم. كريشنا" بزيارة إلى الكويت هذا الشهر، وذلك في أول زيارة يقوم بها إلى بلد خليجي منذ أن أصبح وزيرا للخارجية. وهي الزيارة التي بحث خلالها المسؤول الهندي مع القيادة في الكويت عدداً من المواضيع التي شملت الإرهاب، والتطورات في باكستان، وأفغانستان، وعملية السلام في الشرق الأوسط، والعلاقات على المستوى الشعبي. وتلت ذلك زيارة إلى سلطنة عُمان قام بها وزير الدولة للشؤون الخارجية "شاشي ثارور"، الذي كان مرفوقاً بوفد مهم يضم 11 من رجال الأعمال، وذلك بالنظر إلى هدف الزيارة، والذي تمثل في الرقي بالعلاقات الاقتصادية إلى مستويات جديدة؛ كما عقد "ثارور" مشاورات استراتيجية ودبلوماسية مع القيادة العُمانية. وتشير كل هذه الزيارات بجلاء إلى الأهمية التي تعلقها الحكومة الهندية على علاقاتها مع البلدان العربية، وتعد مؤشراً واضحا لاتجاه سياسة الهند الخارجية متعددة الجوانب. تركيز الحكومة الهندية هذا الأسبوع كان منصباً على "المؤتمر العربي الهندي حول مشاريع الاستثمار"، الذي عُقد في نيودلهي، حيث شهدت الاجتماعات مباحثاتٍ مكثفة حول سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين رجال الأعمال الهنود ونظرائهم العرب. والواقع أن مجرد نظرة إلى حجم الوفود المشاركة من البلدان العربية المختلفة يُظهر أن ثمة دعماً واهتماماً متناميين بتنظيم مثل هذا المؤتمر، الذي بات حدثاً سنويا منذ 2008. والحقيقة أنه حتى قبل انعقاد مؤتمر الاستثمار العربي الهندي، كانت الحكومة الهندية، وفي مؤشر آخر إلى حرصها على تمتين علاقاتها مع العرب، أعدت تقريراً حول الصرافة الإسلامية، حيث أشارت إلى أنها تبحث جدياً إمكانية إدخالها في الهند. ولهذا الغرض، يبحث وزير المالية الهندي حالياً أساليب اعتماد هذا النوع من الصرافة. ويقود الجهودَ الهادفة إلى جمع تريليون دولار من الأموال المراعية لأحكام الشريعة والمخصصة لاستثمارات في البنى التحتية "كي. رحمن خان"، نائب رئيس البرلمان الهندي. والحقيقة أن إدخال الصرافة الإسلامية إلى الهند من شأنه أن يفتح آفاقاً جديدة للاستثمارات في الهند، والتي يمكن أن تذهب إلى قطاع البنى التحتية، ويشكل خطوة جيدة في اتجاه تقوية العلاقات الاقتصادية بين الهند والعالم العربي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخطاب حول الصرافة الإسلامية بدأ قبل المؤتمر العربي الهندي، وهو ما تعتبره نيودلهي طريقة لتقريب البلدان العربية من الهند أكثر. ومما لا شك فيه أن المستوى العالي للمشاركة من البلدان العربية المختلفة إنما يمثل دليلاً على الأهمية التي يعلقها كلا الجانبين على المؤتمر الذي تميز بمشاركة نائب أمين عام جامعة الدول العربية السفير أحمد بن حلي، إضافة إلى وزراء التجارة ومديري شركات من الإمارات وقطر والعراق والسودان موريتانيا وفلسطين والسعودية والمغرب وجيبوتي وسوريا ومصر والجزائر والصومال وليبيا وعمان واليمن والكويت والأردن وتونس. وقد كانت الجهود التي بذلتها بعثة الجامعة العربية في نيودلهي من أجل إنجاح هذا الحدث محل إشادة وتقدير الجانبين. خلال هذا الحدث، كشفت الحكومة الهندية أيضاً عن الأهداف التي تريد أن تضعها في المجال الاقتصادي. وفي هذا السياق، قال وزير التجارة الهندي "أناند شارما" خلال المؤتمر إن الهند تتطلع إلى مضاعفة حجم التجارة الثنائية مع العالمي العربي بحلول 2014، والذي يقدر حاليا بحوالي 114 مليار دولار. كما أشار وزير التجارة الهندي إلى المجالات التي ترغب الهند في الحصول على استثمارات فيها من البلدان العربية، ويشمل ذلك بناء السفن، والبنى التحتية، وقطاع الصيدلة، وتكنولوجيا المعلومات، والصناعات الغذائية، والطاقة. ومن جانبه، أشار وزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية، والذي ألقى كلمة في المؤتمر أيضاً، إلى أن التوقيع المبكر لاتفاقية التجارة الحرة بين الهند ومجلس التعاون الخليجي من شأنه أن يمنح دفعة قوية للانخراط الاقتصادي بين الهند والعالم العربي. كما سلط الضوء على أهمية العمل على وضع آليات لمأسسة رفاهية العمالة الهندية المهاجرة في البلدان العربية، ولاسيما منطقة الخليج العربي، داعياً بلدان الخليج إلى النظر إلى الهند باعتبارها قبلة استثمارية جذابة. وبشكل عام، تمحور الموضوع الرئيسي للمؤتمر الذي دام يومين على إنشاء علاقات تجارية بين الهند والعالم العربي، وبحث الفرص الاستثمارية في قطاعات البنى التحتية والطاقة والصناعة بالنسبة للبلدان العربية وبالنسبة للشركات الهندية، بخصوص سبل الاستثمار في البلدان العربية. والواقع أن ثمة كلاماً يدور منذ بعض الوقت ويفيد بعزم قطر إنشاء صندوق للاستثمار بقيمة ملياري دولار. كما تفيد بعض التقارير بأن عمّان والسعودية أعلنتا أيضاً عن إنشاء صندوق للاستثمار في عدد من القطاعات البارزة في الهند. وعليه، فيمكن القول إن العلاقات الهندية العربية تتحرك وتتقدم بشكل إيجابي خلال الولاية الثانية للحكومة الهندية بقيادة حزب "المؤتمر".