في الوقت الذي نجحت فيه وزارة العمل خلال السنوات القليلة الماضية في وضع إطار شامل يضمن حقوق العمال، ويتصدى لأي محاولة للنيل منها، فإنها لم تتوقف عند هذا الحدّ، وإنما تحرص على متابعة تنفيذ ما تضمّنه هذا الإطار من حقوق وواجبات على أرض الواقع، والاستجابة السريعة لأي شكاوى عمالية، وسرعة البتّ فيها. في هذا السياق كان اليوم المفتوح، الذي عقدته الوزارة في أبوظبي مؤخراً، فرصة مناسبة لتأكيد عدد من التوجّهات العامة المتعلقة بحقوق العمال وواجباتهم، فقد رفضت الوزارة التساهل في شروط السكن العمالي من جانب بعض الشركات، وأكدت ضرورة توفير الضمان الصحي للعمال، وأرست مبدأ على قدر كبير من الأهمية، هو ضرورة أن تكون الوظيفة مناسبة لسنّ العامل لا ليستطيع تأديتها بكفاءة فقط، وإنما للحفاظ على سلامته وحقوقه أيضاً. لقد بات واضحاً أن المشكلة الرئيسية تكمن في تهرّب بعض أصحاب الأعمال من الالتزامات التي أقرّتها الوزارة تجاه العمال، والسعي إلى التحايل عليها بأشكال مختلفة، لأنها تنطوي على تكلفة مالية لا تريد تحمّلها، فمثلاً برغم أن الوزارة اشترطت على هذه الشركات توفير سكن عمالي مناسب يلبي مجمل حاجات العمال الإنسانيّة الأخرى من ترفيه وهدوء وصحة وغيرها، فإن بعض هذه الشركات تجاهلت ذلك ولم تلتزمه. الأمر نفسه حدث فيما يتعلق بالضمان الصحي، فرغم أن الوزارة ألزمت هذه الشركات تنفيذ نظام التأمين الصحي لجميع فئات العمال، فإن بعضها يتهرب من هذا الالتزام، كذلك الأمر مع نظام حماية الأجور الإلكتروني الذي تمّ تطبيقه مؤخراً، والذي يقضي بتحويل أجور العمال من المؤسسات التي يعملون فيها عبر المصارف والمؤسسات المالية، بما يتيح لوزارة العمل مراقبة مدى التزام المؤسسات معدلات الأجور القانونية وتسليم الأجور لأصحابها في مواعيدها المحددة، بالإضافة إلى مراقبة ساعات العمل في كل مؤسسة، ومدى التزام المؤسسة ساعات العمل القانونية، لكن بعض الشركات لم تلتزم تطبيق هذا النظام حتى الآن. لا شك في أن هذه النوعية من الممارسات والتجاوزات من جانب بعض الشركات تنطوي على آثار سلبية عديدة، فرغم أنها تعبّر عن حالات فردية، فإنها تعطي الانطباع أن بيئة العمل في الدولة غير مواتية وتفتقر إلى المعايير التي تقرها "منظمة العمل الدولية"، وهو الأمر الذي تستغله بعض الجهات والمنظمات الحقوقية في تشويه صورة الدولة خارجياً، والتقليل من حجم المكتسبات التي تحققت للعمال في الدولة على مدار السنوات الماضية. ولعل المتابع لكل الانتقادات التي تسوقها الجهات الأجنبية للملف العمالي في الدولة، يجدها تركز في الأساس حول نماذج فردية، حيث لا تلتفت هذه الجهات باهتمام إلى وجود قوانين وتشريعات تحرّم هذه الممارسات، أو حتى تتطرق إلى طبيعة المكتسبات الجديدة للعمال. وحسناً فعلت وزارة العمل في الفترة الأخيرة، حينما اهتمت بمتابعة تنفيذ قراراتها على أرض الواقع، وكذلك في استجابتها السريعة لأي شكاوى عمالية وسرعة التحقيق والبتّ فيها، لأن التجربة أثبتت أن هذا النهج، فوق أنه يضمن حقوق العمال ويحافظ عليها، فإنه يتصدى للممارسات السلبية التي تنفذ منها بعض الجهات أيضاً، وتستغلها في تشويه صورة الدولة الخارجية. هناك درس مهم فيما تقوم به وزارة العمل من متابعة تنفيذ قراراتها، وهو أن أهمية أي قرار تكمن أساساً في تنفيذه وليس في مضمونه فقط، وأن متابعة تنفيذ أي سياسة أو خطة أو رؤية هو عنصر أساسيّ من عناصر نجاحها.