خطوات ذات معنى تخرج بين الحين والآخر من بعض علماء الشريعة الإسلامية، وهي خطوات علينا أن نفهم أبعادها لكونها تشكل تحولاً في مؤسسة الدولة التي تضم الدين إليها. فقد تابعنا مؤخراً ما صرح به الشيخ أحمد بن باز، وهو ابن العالم السلفي السعودي الذي رسم لنا ملامح الحياة في تفسيره. فاليوم يقول العالم الشاب إنه لا يعقل أن نسلم أنفسنا لاجتهادات بات علينا مواجهتها لكونها لا تنسجم مع العصر، ومضى قدما في اعتبار أن اختلاط الرجال بالنساء ليس أمراً مناقضاً ولا مناهضاً للشريعة. الأمر ليس بجديد، لكون الحج تتزاحم فيه النساء مع الرجال، وهم جميعاً يقفون بالكعبة المشرفة. والعقل هنا يقول لنا هذه هي القاعدة التي علينا أن نبني عليها خطوط الحياة ونرسم واقعنا ومستقبلنا. فما قاله ابن باز يمثل ثورة في الفهم الديني للنص، وامتدادا لدور العقل الذي كان ذا شأن كبير في تاريخنا، لكن لأسباب اجتماعية وسياسية تراجعت مدرسة العقل وانتصرت مدارس اللاعقل وتحولنا إلى حالة السجين المحاصر الذي لا يستطيع كسر قيده. وفي أحد البلدان الإسلامية نجد اليوم حراكاً سياسياً تأتي فيه مناهضة الحركة الخضراء من خارج العقل، حيث من هم في السلطة يعتبرون خصومهم معارضين للدين، أي مناهضين للرب والرسول والدين وبالتالي هم يستحقون الموت! وفي هذا المشهد نجد أن من يقود الحركة الخضراء هم من انتجتهم المؤسسة الدينية نفسها، ليسوا جاحدين أو كفاراً أو علمانيين، لكن السلطة الدينية لا تسمح بالمعارضة لكونها تؤمن بالأحادية وتكره التعددية. لذا كان من السهل تسطيح الآراء والمسارعة إلى قتل العقل في مشهد كهذا. لكننا في الوقت ذاته تابعنا موقف إمام الأزهر الذي يعتبر الزواج من قاصرات بمثابة زنى، لكون العقل يقول بأن الظرف الاجتماعي لأسر القاصرات هو ما دفعهم لتقديم بناتهم للراغبين. كما سمعنا عن إعادة تقنين زواج المسيار، لكونه لا يحقق المبتغى لمؤسسة الزواج ولا يخرج عن حاجة الإشباع الجنسي "المقنن". ونتذكر أيضاً أنه عندما دخلت القوات الأميركية أرض الجزيرة العربية اعتبر رجال الدين أن ذلك لا يمثل مساساً بالأرض الطاهرة، لكن خرج علينا من رفضوا ذلك القول. وهكذا يحتار الإنسان البسيط في حل لغز الدين وكيف يفسر. واليوم نقول بأن من يفسر النص هم البشر، وهؤلاء يخطئون ويصيبون، والتفسير دائما يرتبط بظرف مكاني وزماني، والزمان اليوم ليس زمان الأمس، مما يحتم توظيف العقل في فهم النص وترويضه، وهو ما يطلق عليه الاجتهاد الذي هو جهد يبذله العقل لفهم النص المنزل، وهذا ما يحاوله البعض من علماء العقل كما فعل الأفغاني وعبده وغيرهما ممن حاولوا إعمال العقل واستعادة هيبته ومكانته. إذن نحن نواجه أزمة كبيرة في فهمنا للدين ولا نملك القوة لإحداث التعديل بقدر ما تملكها السلطة لكونها حاضنة للمؤسسة الدينية، وبالتالي فما يحدث من حركة حيوية، سواء في مصر أو في السعودية، قد يكون هو البداية لإعادة قوة العقل في رسم حياتنا ومستقبل الإسلام في مواجهته لعملية التفاعل الثقافي مع العولمة.