تتعاظم اتجاهات الفقر والإفقار في كوكبنا الأرضي، ومن ضمنه العالم العربي، بنسب متصاعدة، مُحدثةً من ظواهر البؤس والاضطراب، وما يرتبط بها من جرائم المخدرات واللصوصية والاعتداءات والاغتصاب والإتجار بالأطفال والنساء وغيره. ويلاحظ أن ذلك، وإن مثَّل حالة تنسحب تقريباً على كل طبقات المجتمع وفئاته، إلا أنه شكّل ظاهرة كثيفة خصوصاً على صعيدي الشطر الأدنى من الفئات الوسطى، والقاع المجتمعي الذي يمثل المجموعات الأكثر تضرراً وفقراً وإفقاراً. ويمكن تخصيص هذه الحال أكثر، حيث نلاحظ أنه أكثر مأساوية وقسوة في "بلدان الجنوب" مما هو في "بلدان الشمال". ولعل أحد أسباب ذلك يكمن في أن البلدان الأولى ترسف، في عمومها، تحت قبضة نظم أمنية من الداخل، وتحت هيمنة قوى غربية تسعى إلى إحكام قبضتها على هذه النظم ذاتها، خصوصاً الآن في سياق آليات الهيمنة العولمية. وضمن هذه الظروف، تُعلَن حرب استنزاف ضد المال العام، ومن أجل "تنظيف" الوظائف والمواقع والمؤسسات لصالح السلطة القائمة ومَن يحازبها من كيانات سياسية، كانت أو طائفية أو كانوا أتباعاً...إلخ، وبالتحديد في سياق فساد وإفساد مَن لم يُفسد بعد، بحيث يصبح الجميع ملوثاً تحت الطلب. في ذلك الجو المشحون بالفقر والفساد والقلق، تتأسس بيئة لظهور المخدرات وانتشارها بتسارع قياسي. ويلاحظ الباحث أن هذا الانتشار يمكن قياسه بوتائر الإفقار والفقر معاً. فالأول يأتي -غالباً- بعد حالة من التوازن النِّسبي في الحياة الاقتصادية المادية ومتطلباتها. وهؤلاء المفقرون الجدد يخضعون لظروف جديدة تستنزفهم في كل مناحي حياتهم، بحيث تُخترق شخوصهم بكثير من الأسى والتشاؤم والشعور بـ"انتهاء العالم"، إضافة إلى الكثير من الشعور بعبثية الحياة وعدم الرضا والانخراط في عالم من العزلة، التي تعصر القلب وتُصحّر العقل. ها هنا، تبرز المخدرات بديلاً عن الحياة، التي تفتقد الحرية والكفاية المادية والكرامة، وقد تصدى لهذه الظاهرة (ميشيل البير)، حين قرنها بتضاؤل أو انحسار دور "الدولة الراعية"، مع تعاظم حضور الليبرالية الجديدة الجامحة (انظر كتاب: الرأسمالية ضد الرأسمالية - القاهرة 1995). فمن جهة أولى، تتسع دائرة استغلال أولئك وإفقارهم إلى درجات دون حدّ الفقر (في جلّ المجتمعات العربية)، ومن جهة أخرى، تتعاظم نسب التعاطي مع المخدرات، لتمتد إلى أكثر من الشطر الأدنى من الفئات الوسطى، أي إلى هذه الأخيرة كلها، بالإضافة إلى أن مجموعات من طبقة القاع الاجتماعي تأخذ خطاً متّسعاً لتعاطي المخدرات. فهذه المجموعات التي تعجز غالباً، عن إمكانية الإنفاق على المخدرات نفسها، ربما تحقق -عبر ارتكاب جرائم نهب وسلب وإتجار بما يتمكنون من الإتجار به- حداً من الانخراط في المخدرات. إن ذلك كله يرفع من وتائر تهتك النسيج الاجتماعي والفئوي والطبقي، وبفتح الأبواب أمام مزيد من تصديع الداخل العربي.