يعكس فوز بلديّة مدينة أبوظبي بجائزة "منظمة المدن العربية" عن فئة التخضير في دورتها العاشرة التي عقدت في العاصمة القطريّة الدوحة مؤخراً، الاهتمام الذي توليه الدولة وقيادتها الرشيدة لتخطيط المدن وفق القيم الجماليّة والبيئيّة الحديثة، وكيف أنها تمضي قدُماً وبثبات نحو تحقيق هدفها المعلن، وهو أن تصبح واحدة من أفضل خمس عواصم في العالم وفق ما هو مخطّط ضمن استراتيجيّة حكومة أبوظبي لعام 2030. وفي الوقت الذي تؤكّد فيه هذه الجائزة بوضوح نجاح الجهود التي اتخذتها بلدية أبوظبي في التخطيط للمدينة والارتقاء بها، فإنها تنطوي في الوقت نفسه على معانٍ مهمّة عدّة، أولها، أن أبوظبي تمتلك بنية تحتيّة هائلة ترتقي إلى المعايير العالميّة، وهذه البنية التحتية هي التي تقف وراء هذا الإنجاز. وهذا المستوى المتقدّم الذي وصلت إليه البنية التحتية في أبوظبي كفيل بالارتقاء بوضعها وجعلها ضمن أفضل المدن في العالم في السنوات القليلة المقبلة، لأنه سيسهّل من تنفيذ أيّ خطط ومشروعات تطويريّة في المستقبل في مجال التخضير وزيادة الرقعة الخضراء في المدينة. ثاني هذه المعاني، هو اهتمام الإمارات بالبعد البيئي في أيّ سياسة تتعلق بتخطيط المدن، باعتباره جانباً مهماً لا ينفصل عن توجّه الدولة نحو التنمية المستدامة، بعد أن أصبح الاهتمام بالبيئة أحد أركان هذه التنمية. ويتحدّد الهدف الاستراتيجي لذلك المكوّن في تحقيق مفهوم التنمية المتواصلة وتفعيله من خلال دمج المعايير البيئيّة في مختلف السياسات والبرامج والخطط، وفي القلب منها تخطيط المدن، ولذا تحرص الهيئات والجهات المعنيّة بتخطيط المدن على الأخذ في الاعتبار الأولويات المرتبطة بحماية البيئة والحفاظ على التربة، بحيث تصبح هذه المدن عصريّة وقادرة على تلبية احتياجات أفراد المجتمع مواطنين ومقيمين على حدٍّ سواء، وبالشكل الذي يتوافق مع متطلّبات الحفاظ على بيئة صحيّة سليمة، بهدف الارتقاء بها إلى مستوى يضاهي عواصم الدول المتقدّمة. وقد نجحت أبوظبي في تحقيق هذه المعادلة بوضوح، فالتوسّع في المناطق الخضراء يستجيب لاعتبارات بيئية وسكانية وتنموية، حيث يبلغ عدد الحدائق والمتنزّهات في أبوظبي 32 حديقة عامة تنتشر على مساحة 330 هكتاراً، وهي محطات جذب وترويح لسكان مدينة أبوظبي والسيّاح الوافدين إليها، ويصل عدد روّاد الحدائق فيها سنوياً إلى أكثر من مليون فرد. المعنى الثالث، أن هذه الجائزة تضع أبوظبي أمام مسؤوليّة التطوير المستمرّ في سعيها لكي تصبح ضمن قائمة أفضل مدن العالم، وهي بالفعل قادرة على تحقيق هذا الهدف الطموح، بالنظر إلى ما تمتلكه من خطط مستقبليّة تستهدف من ورائها زيادة نشر الرقعة الخضراء في مختلف أنحائها والمحافظة عليها. لقد أصبحت أبوظبي تقدّم نموذجاً استثنائياً للمدن الجميلة على المستويين العربي والعالمي، ليس لكونها استطاعت أن تقدّم نموذجاً للخضرة والعمران فحسب، وإنما أيضاً، وهذا هو الأهم، لأنها حقّقت ذلك في ظل عوامل بيئيّة قاسية وغير ملائمة لنمو النباتات وزراعة الأشجار وزيادة المساحات الخضراء، وهذا يعكس مدى التصميم على الإنجاز ومدى الحرص على النجاح مهما كانت العقبات، وكيف أن إرادة الإنسان قادرة على صنع المعجزات إذا ما توافرت لها الرّؤية الصحيحة والإخلاص في العمل. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية