في الأسبوع الماضي، وعندما كانت واشنطن تتعرض لأسوأ عاصفة ثلجية في تاريخها، كانت "حركة حفل الشاي" المعارضة تعقد اجتماعها العام الأول في "ناشفيل" بولاية "تينيسي". ونظرا لأني كنت غير قادر على الخروج، وليس لديّ شيء آخر أفعله، فلم يكن أمامي سوى الجلوس أمام التلفاز ومشاهدة أجزاء من مؤتمر الحركة. والحقيقة أن ما رأيته وسمعته أثناء المؤتمر جعلني قلقا للغاية. وبعد مراجعة نتائج استطلاعين للرأي نشرا يوم الجمعة ازداد قلقي. كانت سارة بالين، المرشحة الجمهورية السابقة لمنصب نائب الرئيس، هي التي ألقت الخطاب الرئيسي في المؤتمر. ورغم تهوين بعض خبراء الإعلام من شأن بالين، والسخرية من افتقارها للمعرفة، وأخطائها الخطابية، فإنني أرى وجوب أخذها على محمل الجد. والسبب هو ما تتمتع به من إمكانيات كشعبوية خطيرة، لديها القدرة على اجتذاب أتباعها ومستمعيها من خلال إدعاءات الوطنية الفجة، وإبداء الغضب من واشنطن، والسخط على كل ما هو "أجنبي"، والميل للسخرية من خصومها من النخبة "التي فقدت إحساسها بالواقع"! قد تكون بالين غير ضليعة بالتاريخ والجغرافيا، لكنها بالنسبة لقاعدتها؛ سياسية تقول الحقيقة. ولذلك فإن أي هجوم يوجه لبالين لا يحقق سوى مفاقمة مشاعر الإحساس بالظلم لدى أنصارها. كان من بين من ألقوا كلمة في المؤتمر "توم تانكريدو"، عضو الكونجرس السابق ومرشح الحزب الجمهوري لخوض السباق الرئاسي عام 2008، والذي قد يتذكر القراء الضجة التي أثارها منذ عدة سنوات، عندما دعا إلى قصف الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. فبعد أن ألقى الكلمة الافتتاحية في المؤتمر، وجه "تانكريدو" الاتهامات للرئيس أوباما وحلفائه من الجناح اليساري، الذين لا يدخرون وسيلة ولا يفوتون فرصة لتخريب الدستور! وبعد انتهاء تانكريدو من سرد اتهاماته، خاطب الحاضرين قائلا في نبرة حماسية: "هذه بلدنا ويجب علينا استردادها". ومن الفقرات المزعجة للغاية في خطابه تلك التي وظف فيها ورقة عدائه للمهاجرين والأجانب، عندما قال إن كثيرين ممن لا يستطيعون تهجية حروف كلمة "تصويت" أو نطقها بالإنجليزية، وضعوا عقائديا اشتراكيا ملتزما في البيت الأبيض، اسمه"باراك حسين أوباما". ربما يكون من السهل أن يدعو البعض للتغاضي عن كل ذلك، باعتباره نوعا من الخطابة الجوفاء الصادرة عن أقلية ساخطة، غير أنني لا أرى ذلك. فنتائج استطلاعات الرأي التي نشرت نهاية الأسبوع الماضي، تبين قوة هذا التيار داخل صفوف الحزب الجمهوري، حيث قال 35 في المئة من الجمهوريين المستطلعة آراؤهم إنهم يعتبرون أنفسهم مناصرين لحركة "حفل الشاي"، وقال 60 في المئة منهم إنهم يتفقون مع مبادئ الحركة، كما يرى أكثر من نصف الجمهوريين أن تلك الجماعة سوف تزيد من قوة الحزب الجمهوري. وقد يشكل أعضاء تلك الحركة أقلية، لكنهم غاضبون، ويشعرون بأنهم مهددون، وأظهروا بالفعل قدرتهم على تنظيم غضبهم في حركة تخريبية، عنيفة أحياناً. ولعلنا نستعيد في هذا السياق ما قاموا به الصيف الماضي، عندما نجحوا في فض اجتماعات "قاعات البلديات" التي كانت تناقش موضوع إصلاح نظام الرعاية الصحية. ورغم كونهم أقلية فإن لديهم شخصية تتمتع بسمات النجوم هي "سارة بالين"، كما توجد لديهم أصوات قوية في وسائل الإعلام منها "رش ليمباو"، و"جلين بك"، و"شين هانيتي". ونظرا لأن الحزب الجمهوري بدون قبطان في الوقت الراهن، فإن هذا التيار أصبح يمثل القائد الفعلي للمعارضة ضد البيت الأبيض. خطورة "حركة حفل الشاي" إذن لا تتمثل في احتمال تحولها إلى أغلبية، بل في قدرتها على الاستمرار في ترويع مزيد من أصحاب الأصوات المعتدلة في الحزب الجمهوري. هذه الحركة لا تعبر عن ظاهرة جديدة. فالحركات من نوعها كثيرا ما تظهر في فترات التخلخل الاجتماعي والاقتصادي. وهي تتغذى على مخاوف الطبقة المتوسطة من خلال إدعاء الوطنية، والتحذير من النخب والأجانب، وافتعال معارك وهمية ضد "الآخر". إن إثارة الغضب عن طريق استدعاء الشوفينية، والخوف المرضي من الأجانب... تمثل ماركات مسجلة لتلك الحركات التي رأينا جهوداً واتجاهات مماثلة لها في فترات مختلفة تتجسد في شخصيات مثل "جورج هايدر" في النمسا، و"جان ماري لوبان" في فرنسا، و"نيك جريفين" في الولايات المتحدة... وها نحن نراها الآن في الولايات المتحدة مجدداً. لذلك أرجو منكم المعذرة، إذا لم أشاطر هؤلاء الذين يهونون من شأن" سارة بالين" ومن شأن حضور "حفلات الشاي" الرأي، أو إذا التمست العزاء والسلوى في حقيقة أن استطلاعات الرأي تبين أن 71 في المئة يشعرون بأنها غير مؤهلة كي تكون رئيسة. فأنا أشعر بالخوف من حقيقة أن 26 في المئة من الناس يعتقدون أنها مؤهلة لذلك. إن الجمهور الذي يهتف لبالين أو يستجيب بسعادة لملاحظات "توم تانكريدو" المتعصبة، لا يجب بحال التهوين من شأنه. وذلك ما يدعوني للقلق، بل والقلق الشديد.