قد يعمد البعض إلى تكريس مفهوم التعايش أو التوافق بين الجنسيات والطوائف في ماليزيا، وكان هذا التعايش الممتد بين المالاويين -وهم السكان الأصليون- والهنود والصينيين، سبباً في وصول البلاد إلى قمة النجاح الاقتصادي الباهر، وهو ما جعل ماليزيا قدوة للبعض في تعزيز الهوية. ومع تزايد المد الديني بين مسلمي ماليزيا، فقد أفرز هذا التمسك بالإسلام وتعاليمه غضبة شعبية في رفض تجاوز كل من الصينيين أو الهنود على أي معتقد إسلامي، وتطور الأمر إلى أن أطلق أحد زعامات الحزب الحاكم "ناصر صفار" إلى تسمية الطوائف غير المالاوية بأنها مهاجرة. هذا الدفاع المفترض عن الهوية المالاوية دفاع محمود، لأنه قد يمس هوية المالاوي إلى حد يصعب بعده معرفة الماليزي من غيره، وقد يصل إلى تذويب الثقافة الإسلامية في صالح ديانات بوذية أخرى، وهو الأمر الذي يرفضه الماليزي بشدة. هذا التمسك بالهوية الأم لا يعني بالضرورة اجتياح للتعصب والانقسام، ففرنسا رفضت النقاب في مدارسها، وألمانيا، عندما تشترط لإعطاء تأشيرة الإقامة إتقان اللغة والتاريخ الألماني، إنما تحافظ علي هويتها من الذوبان. لم يقل أحد أبداً إن ألمانيا عنصرية أو فرنسا، سوى كونها تحافظ على هويتها، وهو حق قديم قدم التاريخ وأصول جذوره. وعلى الرغم من أن حزب "الرفاه" التركي حزب "إسلامي"، ويدير البلاد بفكر إسلامي مستنير، فإنه لم يرفض الهوية التركية، بل عززها ودعا إلى احترامها وتقديسها، وفقاً لتعاليم إسلامية لا تتضاد أبداً مع الهوية القومية مهما كانت أبعادها. فأزمة ماليزيا اليوم هي أزمة هوية بالضرورة، فلو لم يستشعر المالاوي خطراً قد يصيب هويته من ديانات غريبة عليه ومسميات تشتت معتقده، لما كانت هذه الهبة المستميتة في الدفاع عن هوية ماليزيا الأصلية. ولأن الهوية الخليجية أيضاً مهددة بالأخطار بسبب المد الثقافي متعدد الأقطاب، فهذا أيضاً يجعل هويتنا العربية في أزمة، فبين تعليم أجنبي وعمالة محيطة بنا في كل اتجاه كيف ستعيش قيم الهوية وجذورها؟ وهذا أيضاً ما يجعل الخليجي في حالة دفاع مستمر عن أصالة هويته الثقافية، فالعيش بسلام واحترام الآخر وخلفيته الثقافية، لا يعني التنازل عن هويتنا الوطنية، ولا تتضاد مع أي معتقد ديني غير الإسلام. ومرفوض كل رأي يناهض هذا التوجه، أو يتهم المواطن الخليجي بالعنصرية أو التعصب، فمن أبسط حقوق الإنسان أن تحُترم القوانين هويته وتعزز حضورها في التعليم والثقافة والإعلام. ولعل أقسى ما يواجه المواطن الخليجي، هو هذا التغريب للسان العربي، والعداء المستمر لبلاده من آخرين تركوها ليكيلوا لها الشتائم فقط لأنها دافعت عن حقها في الاحتفاظ بالأفضل. خوف ماليزيا مشروع، وقلقها يأتي في مقدمة ما يجب علاجه، وعلى ضفتنا نحن لابد من العمل على تكريس كل ما هو عربي أصيل، وإن كان هناك من آخرين ينعمون بسماء هذه البلاد الآمنة فعليهم أيضاً احترام هذا الأمان وتقدير أهله وعدم التجاوز باتهامات تسيء لهم قبل أن تسيء للمكان. ضراوة إرادتنا قائمة بشكلها الأقوى في الدفاع عن عروبة المكان وإسلامه حتى آخر قطرة من امتداد هذا الخليج العربي شاء من شاء وأبى من أبى.