بدأت الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي و"إيساف" والقوات الأفغانية عملية عسكرية في إقليم هلمند الجنوبي، وأعلن أن الهدف الأول من عملية "مشترك" هو بسط سيطرة الحكومة الأفغانية على المناطق الواقعة تحت سيطرة حركة "طالبان"، ويشارك نحو خمسة عشر ألف جندي من القوات الدولية والأفغانية والأميركية بالطبع في الهجوم. وتعد هذه العملية هي الأوسع للقوات المشتركة منذ إعلان أوباما عن استراتيجية جديدة في أفغانستان تقوم على دعم القوات الأميركية عن طريق إرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أرض المعركة، والعمل على تدريب وتجهيز قوات الدفاع والشرطة الأفغانية لتولي مهام الدفاع والأمن، ومن ثم تحديد سقف للانسحاب الأميركي وللقوات الدولية من أفغانستان في منتصف 2011. ولكن ماذا يعني تغيّر الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان، وماذا سيترتب على شن هجوم بهذه الضخامة على حركة "طالبان"؟ وهل تملك الولايات المتحدة ومعها القوات الدولية والأفغانية مفاتيح الحسم العسكري والحل السياسي تالياً؟ أسئلة لابد أن تطرح عند استشراف مستقبل أفغانستان، وعند تحليل الاستراتيجية الأميركية هناك، لتدارس مكامن النجاح والفشل في التجربة الأفغانية في أوقات السلم والحرب. لقد أثبتت الثماني سنوات الماضية فشل الاستراتيجيات الأميركية السابقة في أفغانستان، حيث فشلت في معالجة المشكلات الحقيقية التي يواجهها بلد مثل أفغانستان خرج من حرب مع الاتحاد السوفييتي ليدخل في متاهة حروب أهلية، ثم خرجت حركة "طالبان" لتسيطر على كابول وعلى معظم البلاد معلنة الإمارة الإسلامية التي سرعان ما سقطت بعد أن أعلنت الولايات المتحدة حربها على الإرهاب في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، وتمكنت من خلق حكومة أفغانية جديدة برعاية أممية، وبقرارات دولية أنشأت قوة المساعدة الأمنية الدولية "إيساف" في ديسمبر 2001، لتعزيز الأمن والتنمية في أفغانستان بقوة قوامها أكثر من 71 ألفاً أكثر من نصف أفرادها من الجنود الأميركيين، وقد توسعت صلاحياتها بعد عام 2006 لتغطي جميع الأقاليم بعد أن اقتصرت في البداية على كابول. واليوم وبعد ثماني سنوات من الإطاحة بحركة "طالبان"، وعلى رغم التضخم في عدد القوات الأميركية والدولية على أرض أفغانستان وتعزيز حكومة كرزاي، إلا أن حركة "طالبان" استعادت مواقعها وسيطرتها على معظم الأراضي الأفغانية خارج كابول، فيما تبدو حكومة كرزاي على رغم الدعم الأممي حكومة ينهشها الفساد الإداري، فيما أثر بطء عمليات الإعمار في خطط التنمية. لقد فشلت الولايات المتحدة في تدعيم الاستقرار السياسي، وفي خلق حكم رشيد فعال في أفغانستان، وتلك هي النقطة المحورية في التجربة الأفغانية، إذ خلقت هياكل سياسية للحكومة المركزية في كابول ودعمت إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، أي أنها خلقت وسائل تحقيق الديمقراطية دون أن تنمي بيئة ديمقراطية، وأثبتت التجربة أن دعم الاستقرار السياسي والأمني أهم من الانتخابات والتمثيل النيابي. كما ركزت الولايات المتحدة على دعم حكومة كابول وبعض المدن الرئيسية وبذلت جهدها لتدعيم الحكومة المركزية فيها دون أن تلتفت للمناطق الخارجية والريفية لأسباب أمنية مما عزز من وجود حركة "طالبان" في هذه المناطق مستغلة فراغ السلطة الفعلية الناشئ عن عجز الحكومة المركزية. واليوم في بلد لم يشهد استقراراً حقيقياً طوال ما يزيد عن ثلاثة عقود، لا زالت السياسة الأميركية غامضة الأهداف وخاصة أن تحديد سقف زمني قصير نسبياً لبقاء القوات الأميركية والدولية ولنقل الصلاحيات لقوات الأمن الأفغانية يبدو طرحاً غير واعٍ نتيجة لضخامة المشكلة التي ستترتب على هذا الانسحاب السريع، فيما يبدو نجاح العمليات العسكرية لتحقيق السلام مستبعداً ما لم يترافق مع الاستعداد للمصالحة مع "طالبان" والأطراف الدولية ولذا ستبقى مقولة "المهمة أُنجزت" بعيدة المنال في أفغانستان.