فيما تركز وسائل الإعلام تغطيتها للأحداث الجارية في الشرق الأوسط على إيران، وتهتم على وجه التحديد بمحاولتها تطوير قدرات نووية مستقلة، قد تخشى الدول الغربية أن تشتمل على تطوير السلاح النووي باعتباره الهدف النهائي لمشروع التخصيب... يبرز تسابق مواز في المنطقة على حيازة العتاد العسكري ومراكمة تكنولوجيا التسلح عبر اقتنائها من الدول المنتجة، لها سواء في الغرب، أو في روسيا. هذا التسابق على امتلاك آخر ما جادت بها قريحة الدول الصناعية من أسلحة، وضحه القائد الأميركي للقيادة المركزية الجنرال ديفيد بترايوس، عندما أعلن وبشكل غير معهود في 22 يناير الماضي أنه في ظل تنامي ما أسماه "الخطر الإيراني" في منطقة الخليج وصعود قوتها على نحو لافت، تقوم الولايات المتحدة بتزويد أصدقائها في الخليج بأنظمة دفاعية متطورة تشمل صواريخ باتريوت قادرة على اعتراض صواريخ أرض أرض من الطراز الذي تعمل إيران على تطويره، والإعلان عن إطلاقه بين الفينة والأخرى لإبراز قوتها أمام الغرب في محاولة على ما يبدو لردع أي تفكير غربي بالهجوم على منشآتها النووية. لكن الولايات المتحدة، بتعميق تعاونها العسكري مع دول المنطقة، تبعث برسالة واضحة إلى إيران مفادها أنها لا تزال لاعباً قوياً في توفير الحماية للمنطقة والدفاع عن دولها، كما أنها ستستمر في إمدادها بالتكنولوجيا المتطورة القادرة على موازنة التسلح الإيراني. وفيما يتعلق بتحركات القيادة المركزية في المنطقة، أكد الجنرال بترايوس بأن الولايات المتحدة ستُبقي على المدمرة "إيجيس" المزودة بقدرات مضادة للصواريخ في مياه الخليج لتقوم بدورياتها المعتادة، ليس بعيداً عن السواحل الإيرانية. وبالنظر إلى برامج التسلح المعلنة في المنطقة، يُتوقع أن يصبح الخليج العربي أحد أكثر المناطق تسلحاً في العالم وأكثرها جرياً وراء تكنولوجيا التسلح، وهو ما يقودنا إلى سؤال آخر يتعلق بالعراق باعتباره الدولة المهمة في المنطقة، وكيف يستطيع تطوير ترسانته العسكرية لمواكبة السياق العام لباقي الدول والتمكن من الدفاع عن نفسه بعد خروج الولايات المتحدة! والحقيقة أن الإجابة عن هذا التساؤل تكمن بالتأكيد في المخزون الهائل من النفط والغاز الذي يزخر به العراق، لاسيما وأنه قد يحتل المرتبة الثانية بعد السعودية في احتياطي النفط. ولو تمت معالجة البنية التحتية للإنتاج لأمكن للعراق رفع إنتاجه من مليوني برميل في اليوم إلى أربعة ملايين برميل، بل إلى ستة أو ثمانية ملايين في اليوم على مدى العقد القادم. وإذا ما حافظ العراق على وحدته واجتاز الصراعات السياسية بسلام، فإن جزءاً من تلك الأموال التي ستتدفق عليه ستوجه إلى تطوير البنية التحتية بعد الدمار الذي أصابها، ثم إلى رفع القدرات الدفاعية للجيش العراقي. وفي هذا الإطار يسعى العراق إلى تسريع وتيرة تجهيز قواته البرية، لاسيما تزويدها بالآليات المدرعة، كما سيكون عليه تهيئة قوة جوية قادرة على توفير الإسناد في حالة الحرب من خلال شراء الطائرات المقاتلة من الولايات المتحدة. ولعل ما يعزز هذا التوجه التقارير التي صدرت في عامي 2008 و2009 وأشارت إلى استعداد العراق لإنفاق ما لا يقل عن 16.6 مليار دولار على مشترياته من الأسلحة والتي ستشمل إعادة صيانة الدبابات السوفييتية القديمة من طراز T-72 وشراء دبابات أبرامز الأميركية الأكثر تطوراً، فضلا عن طائرات F-16 والطائرات المروحية التي تنتجها الشركات الأميركية. ويحتاج العراق أيضا لتطوير ترسانته العسكرية بإضافة عدد من طائرات النقل الكبيرة لسد الثغرة الواضحة في قدراته اللوجستية. وإذا استطاع العراق الخروج من حالة الاضطراب السياسي، وتمكن من شراء ما يلزمه من أسلحة متطورة من السوق العالمية، فحينها يمكننا الحديث عن إعادة بروز العراق كقوة لا يستهان بها في الإقليم. واللافت في هذا السباق المحموم بين دول المنطقة لمراكمة السلاح، أن أميركا لم تعد اللاعب الوحيد في توفير الحماية لدول المنطقة من خلال تزويدها بالسلاح، بل دخلت على الخط روسيا التي باتت تجري صفقات أسلحة مهمة مع هذه الدول. وبالرجوع إلى فترة الحرب الباردة التي كان فيها الصراع على أشده بين القطبين العالميين، وكان كل من المعسكرين، الشرقي والغربي، يسعى إلى تسليح الدول الموالية له في الشرق الأوسط، كما أن السلاح كان متوافراً وبشروط تفضيلية يصل في الكثير من الأحيان إلى الهبة أو الهدية، لكن اليوم وبعد انتهاء التنافس الأيديولوجي بين الاتحاد السوفييتي البائد والولايات المتحدة باتت روسيا في هذه الفترة مهتمة أكثر بالمال الطائل الذي ستجنيه من مبيعات الأسلحة إلى منطقة متعطشة للمزيد وترى نفسها في تهديد دائم بالنظر إلى التوتر المتواصل والصعود الواضح لإيران المجاورة. لذلك، ورغم صفقات التسلح التي وقعتها دول مثل الجزائر وليبيا وسوريا وإيران والسعودية مع روسيا، إلا أنه سيكون على هذه الدول مرة أخرى الدفع مقابل الحصول على السلاح، لاسيما في وقت أصبحت فيه موسكو تنتج سلاحاً على درجة عالية من التطور والقدرات التدميرية أو الدفاعية، مثل نظام صواريخ أرض جو من طراز S-300 الذي تسعى كل من إيران وليبيا إلى شرائه. ومع أنه لحد الآن لا توجد مؤشرات على تسليم روسيا للنظام المذكور إلى أي من الدولتين، فإنه في حالة حصول البلدين على نظام الصواريخ المتطور فسيرفع ذلك من قدرتهما على اعتراض الطائرات والدفاع عن نفسيهما في حال تعرضها لهجوم جوي، وسيكون نظام الصواريخ مفيداً بوجه خاص لإيران لتفادي الضربات الجوية الإسرائيلية إذا ما قررت هذه الأخيرة استهداف منشآتها النووية. أما في شمال إفريقيا فاحتمالات اندلاع صراع مسلح ماتزال بعيدة، لكن مع ذلك يمثل سير دول المنطقة، مثل ليبيا والجزائز والمغرب (الذي يقتني أسلحته من فرنسا) نحو تطوير قدراتها العسكرية، ضرباً من سباق تسلح آخر وإن كان بدرجة أقل مما هو في الخليج. وسيتواصل هذا السباق في عموم الشرق الأوسط مادامت أموال النفط تواصل تدفقها، ومادامت الولايات المتحدة مصرة على ضمان تفوق إسرائيل على خصومها بمدها بالأسلحة المتطورة. ورغم الجهود الدولية الدؤوبة لوضع سقف متفاوض عليه لإمدادات الأسلحة، والتي انطلقت منذ خمسينيات القرن الماضي، فإنها فشلت في التحول إلى أمر واقع، ولم تنجح سوى في الحصار الخارجي الذي كان مفروضاً على العراق وإيران. لذا فإنه ما لم يعمل المجتمع الدولي على معالجة مصادر الصراع الأساسية في المنطقة، فستستمر عملية حشد الأسلحة وتكديسها.