نتائج الدراسة التي أجراها "مركز البحوث والدراسات" التابع لـ"نادي تراث الإمارات"، مؤخراً، وكشفت عن أن نسبة التلوث الهوائي التي تتسبّب بها وسائل النقل البرية بلغت 60 في المئة، وأن مقابل كل مركبة كبيرة يجب زراعة 100 شجرة و10 أشجار مقابل كل سيارة صغيرة، وذلك للإبقاء على الهواء نقياً في المدن، تؤكّد بوضوح أهميّة تطبيق التوجّهات الصديقة للبيئة في قطاع النقل والمواصلات. لا شكّ في أن السياسات التي اتخذتها الدولة في الآونة الأخيرة راعت البعد البيئي، وهو ما يبدو بوضوح في العديد من المشروعات والمبادرات المهمة، كمشروع إنشاء شركة للقطارات للربط بين مدن الدولة المختلفة، كما تحتوي خطة النقل البري الشاملة لإمارة أبوظبي 2030 على خيارات متعدّدة تضمّ، شبكة قطار المترو، والقطار الخفيف "الترام"، وحافلات النقل العام، والمعديات والتاكسيات المائية، فأحد الأهداف الرئيسية لهذه النوعية من المشروعات هو الحدّ من ظاهرة التلوث، وتقليل انبعاثات الغازات الناتجة من عوادم السيارات والمركبات الخاصة. كما أن هناك الكثير من المبادرات المهمّة التي تم اتخاذها خلال العامين الماضيين، وتعتمد بالأساس على وسائل صديقة للبيئة، كمبادرة أبوظبي لاستخدام الغاز الطبيعي كوقود بديل للمركبات، بحيث يتم تحويل 20 في المئة من مركبات القطاعات الأكثر تلويثاً للبيئة في الإمارة للعمل بالغاز الطبيعي المضغوط كوقود بديل للبنزين وبشكل متدرّج، في إطار توجّه أكبر يهدف في المدى البعيد إلى إحلال الغاز محل أشكال الوقود الأخرى للأغراض الصناعية والتجارية والسكنية، بالإضافة إلى أغراض النقل بصفة عامة، وفي الوقت ذاته أعلنت دبي عزمها على تعزيز الجانب البيئي في قطاع النقل العام في الإمارة عبر تحويل أسطول سيارات الأجرة بشكل تدريجي إلى سيارات "خضراء" صديقة للبيئة. الواقع أن هذه المبادرات التي تعتمد على استثمار بدائل الطاقة الأنظف في قطاع النقل والمواصلات تكتسب أهمية كبيرة، فهي من ناحية تعدّ أكثر ملاءمة للبيئة من النفط، إذ إن لديها كفاءة عالية في الاحتراق دون إفراز نواتج صلبة، كما أنها من ناحية ثانية تعدّ من أرخص أنواع الوقود، حيث تقلّ أسعار الغاز الطبيعي بنحو 30 في المئة عن أسعار البنزين المستخدم على نطاق واسع، إلى جانب الديزل، لتشغيل محرّكات السيارات بأنواعها المختلفة. ولكن مع ذلك، فإن من المهم العمل على تعزيز وعي أفراد المجتمع بهذه التوجّهات الجديدة، ودورها المهم في الحفاظ على التوازن البيئي، سواء بتغيير نظرتهم إلى وسائل النقل الجماعي، لكي يعتمدوا عليها في تنقّلاتهم بدلاً من مركباتهم الخاصة، أو بتحفيزهم على شراء السيارات صديقة البيئة. إن توجّه الدولة نحو إدخال البعد البيئي في السياسات والاستراتيجيات المتعلّقة بقطاع النقل والمواصلات، وإن كان يعكس اهتمام الدولة بحماية البيئة ومواجهة مظاهر التلوث المختلفة، فإنه يعزّز مفهوم الاستدامة البيئية في قطاع النقل والمواصلات، بعد أن أصبح الاهتمام بالبيئة أحد مظاهر التنمية المستدامة، وما يعنيه ذلك من أن حماية البيئة يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع التنمية، فبقاء البيئة سليمة معناه استمرار الحياة واستمرار التنمية في مختلف المجالات، وهذا ما تدركه قيادتنا الرشيدة، التي تنطلق من قناعة مفادها أن "التزام حماية البيئة لم يعد اهتماماً سطحياً، وإنما أصبح توجّهاً تنموياً حقيقياً".