ارتبط التنين الصيني في الذهنية العربية بأنه رمز للهيمنة والسيطرة، وسوء الظن هذا مستوحى من النظرة الغربية للتنين، بينما دلالة التنين عند الصينيين تختلف عن الدلالة الغربية، فعند الصينيين التنين يرمز إلى الوحدة والتعددية والتسامح والتناغم، ذلك أن الأقاليم الصينية كانت تحكمها عائلات تتخذ لنفسها رموزاً من الحيوانات، كالنمر والنسر والأفعى، وحين توحّدت البلاد جرى دمج أو خلق كائن يستوعب تلك الرموز، فأوجدوا التنين الصيني. بالطبع لا يمكن الاطلاع على ثقافة أي قوم ومعرفة أنماط تفكيرهم، ومن ثم فهمهم بشكل أفضل، إلا من خلال معرفة لغتهم، فاللغة مفتاح صندوق الأسرار، وهو ما قرره مجلس أبوظبي للتعليم من خلال تدشين روضة ومدرسة صينية تعد الأولى من نوعها في المنطقة، يتعلم فيها طلبة صينيون اللغة العربية، ويتعلم طلبة إماراتيون اللغة الصينية، التي هي لغة خُمس البشرية. والمسألة ليست ذات بعد ثقافي وحضاري فقط، فهناك أبعاد أخرى أهمها البعد العلمي والاقتصادي، وبالطبع البعد السياسي الذي يأتي تتويجاً لهذه الأبعاد، فالصين تعد من أسرع الدول في المضمار العلمي، متقدمة على دول مثل اليابان وألمانيا وبريطانيا، محتلة المركز الثاني عالمياً بعد الولايات المتحدة في إنتاج البحوث العلمية، والمرتبة الثالثة بعد أميركا واليابان في الإنفاق على البحث العلمي، وبالطبع كل هذا يحدث وينتج ويكتب باللغة الصينية. أما البعد الاقتصادي للمسألة فيتمثل في أن الصين تعد اليوم لاعباً أساسياً في الاقتصاد العالمي، وهي من الدول القلائل التي لم يتأثر نموها بالأزمة العالمية، ففي الوقت الذي تباطأ النمو الاقتصادي لمعظم دول العالم، خصوصاً الدول الكبرى، فإن الصين أصبحت من أكبر مصدري السلع في العالم، ومن أكبر مستورديه أيضاً، ومن المتوقع بعد أقل من عقدين أن تكون الصين القوة الاقتصادية الأولى في العالم. والنفوذ الصيني يجتاح حتى الولايات المتحدة، ويقبع اليوم لوبي صيني في أروقة صناعة القرار الأميركي بحيث لم تعد تايوان، الغريمة الصغيرة للصين، تحظى بالدعم الأميركي السابق حتى مع صفقة الأسلحة الأميركية لتايوان التي ردّت عليها الصين بعقوبات على الشركات الأميركية المتورطة فيها. وتشهد الولايات المتحدة زيادة في عدد المدارس التي تعلم اللغة الصينية، ويبلغ عددها نحو 1600 مدرسة، بنسبة 4 في المئة من المدارس التي تعلم اللغات الأجنبية في أميركا، في الوقت الذي تشهد فيه أميركا انخفاضاً في عدد المدارس التي تعلّم اللغات اليابانية والفرنسية والألمانية والروسية. خطوة مجلس أبوظبي للتعليم من شأنها تذليل العوائق الثقافية والتعليمية والمالية وحتى الدبلوماسية بين الإمارات والصين، والاستثمار التعليمي هذا سيحقق نتائج مذهلة بعد أقل من عقدين، حين يصبح هؤلاء الأطفال الإماراتيون جسوراً لتعزيز التواصل مع الصين، يتحدثون مثل البلابل مع التنين الصيني. وبالطبع فإن هذا الجسر سيكون ذا اتجاهين، اتجاه نتعرف نحن فيه على حضارة وثقافة الصين من دون وسائط وترجمات ربما تكون بعيدة عن الموضوعية، واتجاه آخر يكون فيه هؤلاء الإماراتيون سفراء حقيقيين للثقافة الإماراتية وللحضارة العربية والإسلامية لدى الصينيين. والخطوة الإماراتية باتجاه الصين لن تكون الأخيرة في ميدان التنوع اللغوي لأبناء الإمارات، فقد بشّر الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لدى افتتاحه مدرسة أبوظبي بـ"تدشين مدارس أخرى يتم التدريس فيها بلغات عالمية وتعبر عن ثقافات وحضارات عريقة"، ذلك أن "هذا الانفتاح التعليمي على الثقافات العالمية من شأنه أن يصقل شخصيات أبنائنا وبناتنا الطلبة، ويوسع مداركهم، ويعزز من تواصلهم الحضاري مع الآخر".