لقد مضى ما يزيد عن أربعة عقود على آخر مرة استدعى فيها الكونجرس الأميركي إرادته لتمرير تشريع اجتماعي مهم. فلم يحدث منذ عام 1965 ـ عندما تم تمرير قانوني الرعاية الصحية والحقوق المدنية بعد عقود من المعارضة الشديدة - أن أثبت الكونجرس أنه قادر على الارتفاع لمستوى المهمة التي يضطلع بها. في الوقت الراهن، ينطبق ذلك بشكل خاص، على التشريع المتعلق بإصلاح منظومة الرعاية الصحية والذي يكاد أن يكون قد تجمد تقريباً، كما ينطبق أيضا على الفرص الخاصة بإجراء معالجة جوهرية للانهيار التنظيمي الذي سمح للمضاربات غير المسؤولة في "وول ستريت" بإدامة أسوأ أزمة مالية منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، تتراجع يوماً بعد يوم، كما ينطبق على فرص الحصول على موافقة الكونجرس على تمرير تشريع بالإجراءات التحفيزية الإضافية لمعالجة أزمة البطالة الكلية أو الجزئية (العمل لنصف دوام)، التي لا تزال تعصف بمصائر العائلات في الولايات بدءاً من متشجن وحتى كاليفورنيا. في مقابل كل هذه المشكلات المعقدة، ما هو الشيء الذي تعتقدون أنه قد شغل أذهان أعضاء مجلس الشيوخ عشية عطلته الأسبوعية الطويلة؟ إنه تلك الدراما التشريعية الممثلة في المواجهة بين البيت الأبيض والسيناتور "ريتشارد سي.شيلبي"(جمهوري من ولاية ألاباما)، الذي أوقف بنفوذه في الكونجرس تعيين ما يزيد على 70 شخصاً من مرشحي الإدارة في الجهاز التنفيذي، وتعهد بالاستمرار في موقفه هذا ما لم توافق إدارة أوباما على تمويل مشروعين لخدمة المصالح المالية لدائرته الانتخابية (أحد المشروعين خاص ببناء مختبر لمكتب "إف.بي.آي" يركز على المتفجرات المرتجلة، والآخر عبارة عن عقد بمواصفات طائرة تصنعها نورثروب جرومان وآيرباص في ألاباما). والحقيقة أنه ليس لدى "الجمهوريين" والبيت الأبيض ما يمكن أن يفعلاه مع السيناتور "شيلبي" لأن ما يفعله يسمى داخل الكونجرس بـ"تكتيك برلماني" في حين يسمى خارجه بـ"الابتزاز". ويمكن اعتبار ذلك أيضاً نوعاً من المواقف السلبية التي تلقي ضوءاً كاشفاً على مصادر الاختلال في آلية عمل الكونجرس، وعلى عدم الرضا الشعبي، سواء للمنتمين لليمين أو اليسار، على أداء الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري”. فآلية الموافقة على المشروعات المقدمة إلى الكونجرس، وتلك النوعية من المشروعات المخصصة لخدمة دوائر انتخابية معينة تمثل موضعاً للغضب العام من جانب أغلبية المحافظين والمستقلين. فقواعد العمل في مجلس الشيوخ - وهي بالمناسبة قواعد متقادمة، تستخدم للاعتراض فقط، وتتسم بقابليتها للوقوع في فخ المصالح الخاصة - تمثل مصدرا لإحباط متزايد من جانب الليبراليين وبعض المستقلين. مع ذلك ها نحن نواجه بسيناتور من ولاية جنوبية، يوجه بحرية ودونما خشية موضوعاً يهم الأمة كلها تجاه تحقيق المصالح المالية لأعضاء دائرته الانتخابية. وليس هناك من حاجة لحضور مؤتمر، أو حتى "حفل شاي" رسمي، لرؤية التأثير الضار لهذا النوع من السلوك السياسي على موقف الأميركيين نحو المؤسسات الوطنية، ونحو الأحزاب التي تتنافس من أجل السيطرة عليهم. والدليل على ذلك يمكن إثباته بالاطلاع على نتائج العديد من استطلاعات الرأي التي أجريت في الآونة الأخيرة. فالاستطلاع الذي أجرته "وول ستريت جورنال" بالتعاون مع وكالة "إن. بي. سي. نيوز" على سبيل المثال توصل إلى على الرغم من أن 52 في المئة من إجمالي الناخبين الأميركيين لا يزالون يحتفظون بآراء إيجابية عن أوباما، فإن نسبة من لا يزالون يحتفظون بآراء إيجابية عن الحزب "الديمقراطي"، لا تزيد عن 38 في المئة. كانت هذه النسب أسوأ بالنسبة لـ"الجمهوريين" حيث لم تزد نسبة من ينظرون إلى الحزب "الجمهوري" إيجابياً عن 30 في المئة. وهناك استطلاع رأي آخر أجرته "واشنطن بوست" بالتعاون مع "آيه. بي. سي نيوز" تبين من خلاله أن 24 في المئة من الأميركيين أي أقل من 1 من بين كل أربعة أفراد، لا يثقون في أعضاء الكونجرس من "الجمهوريين" مثل السيناتور شيلبي، ولا في قدرتهم على اتخاذ القرارات السليمة من أجل مستقبل البلاد عندما لا يثق الناس في مسؤوليهم المنتخبين، ولا في أحزابهم فإنه ليس أمام القادة السياسيين في هذه الحالة الكثير مما يمكن أن يفعلوه سوى محاولة فهم مغزى مشاعر السخط والقلق لدى الناخبين وهي المشاعر التي تبدو واضحة جلية لدى غالبية الشعب الأميركي في الوقت الرهن. لتوضيح الصورة أكثر، فإن السخط وعدم الرضا عن الحاضر، والتوجس من المستقبل يمثلان الضجيج الصوتي المصاحب لسياساتنا، ولكن على ما يبدو فإن السياسيين من الحزبين في الكونجرس لا يسمعون هذا الضجيج. ذات مرة قال المؤرخ "إيان كيرشو" في معرض تعليقه على السياسات الألمانية في جمهورية ويمار( النظام الجمهوري الذي فرض على ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى):" هناك أوقات يصبح فيها السياسيون غير قادرين على التواصل، وهو ما يحدث عندما يتوقف هؤلاء السياسيون عن فهم مغزى اللغة التي يتحدثها أفراد الشعب الذي يفترض أنهم يمثلونه". سيكون من الحماقة ألا يتم الإصرار على بقاء هذا البلد وسياسيه - بطرق عديدة وفعالة - بعيدين تماما عما قاله "كيرشو"، ولكننا في الوقت نفسه سنكون متعجلين لدرجة الاندفاع عندما نتظاهر أن هذه المسافة لا تزال كبيرة كما كانت جمهورية ويمار بين الحربين العالميتين. تيم روتن كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"