عندما نفكر في كوننا بين أفضل دول العالم، لا نفكر في المسألة من منظور مادي فقط وإنما ننظر إليها من منظور معنوي وإنساني أكثر. فالمواطن الإماراتي نجح في تحقيق الكثير ويمكنه أن يحقق الأكثر، لكنه في ظل التحديات التي يواجهها على أرض الواقع فإنه قد يكون ظاهراً أو مرئيا للبعض في المشهد اليومي وسط محيط من الخبرات واللاخبرات التي تملأ المكان. لذا فإن "وثيقة الإمارات 2021" التي تم إطلاقها في الأسبوع الماضي من مدينة ليوا بالمنطقة الغربية خلال خلوة مجلس الوزراء، تسعى إلى إنجاز طموحات كبيرة خلال العقد المقبل. وعندما ننظر إلى الوراء نكتشف كيف أن العقد الماضي مر بسرعة كبيرة لم نشعر به إلا وقد انقضى ورحل بكل إنجازاته وبكل ما خلفه من قضايا تحتاج إلى حلول. وبقدر ما ينبغي أن نكون صادقين مع أنفسنا في استعراض هذه الوثيقة الطموحة جداً، وهي كبيرة بمحتوياتها وبمستوى العمل الذي يتم فيها، لذا ينبغي أيضاً أن نعترف أنها كي ترى النور فإن عقداً من الزمان يعتبر وقتاً قصيراً لتحقيق مثل هذه الرؤى الكبيرة في أية دولة. لكن إذا توفرت كل الإمكانيات، وهي متوفرة فعلا، وتضافرت كل الجهود، وعمل الجميع بجهد واحد وبقوة دفع مستمرة، فإن تحقيق هذه الوثيقة أمر ممكن تماماً، لاسيما أن من يتولون المشروع قادرون على العطاء والعمل، لذلك أقول إن كل عنصر فيه سيتحقق لأننا تعودنا في الإمارات على تحقيق الأحلام الكبيرة. الإنسان الإماراتي مهم بالنسبة لهذه الوثيقة، فمن يقرؤها يلاحظ أنها ركزت على ما يهم حياة المواطن وعلى العلاقات الاجتماعية والتلاحم المجتمعي. وإنه لرائع حقاً أن قيادتنا تلمس القضايا الاجتماعية في المجتمع الإماراتي وفي الأسرة الإماراتية، والأروع هو أنها عملت على إيجاد الحلول لتلك القضايا، أما الأهم أيضاً فسيكون النجاح في تطبيق عناصر تلك الوثيقة وتنفيذها بالشكل السليم. من الواضح أن الطفرة الثانية -طفرة نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة- قد أثرت بشكل كبير على المجتمع الإماراتي وعلى الأسرة الإماراتية وكادت تضعف بعض القيم والمبادئ الراسخة. لكن هذه الوثيقة وقبلها دعوة رئيس الدولة حفظه الله للتلاحم المجتمعي، تدعو إلى الاطمئنان إلى أن هناك أشياء كثيرة في غاية الأهمية تتم وأن أمور المواطن وقضاياه تجد دائماً من يتنبه إليها ويهتم بمعالجتها. هذه الوثيقة أكدت على أن تكون "الإمارات من بين أفضل دول العالم"، وبمحتوياتها وعناصرها وتفصيلاتها أرادت أن يكون الإنسان الإماراتي من أفضل الناس بين مواطني دول العالم من ناحية العمل والإنتاج والإبداع والولاء والالتزام الأسري والعائلي، فكل ذلك يؤدي بطبيعة الحال إلى أن تكون الإمارات بين أفضل دول العالم. فالمواطن هو الذي يجعل بلده الأفضل. ولابد أن نستعرض بشكل سريع عناصر هذه الوثيقة لنرى أين تكمن نقاط الاهتمام بالمواطن الإماراتي. العنصر الأول (متحدون في الطموح والمسؤولية) شعب طموح واثق متمسك بتراثه... "إماراتيون" يتحلون بالطموح والإحساس بالمسؤولية... "إماراتيون" متمسكون بزمام مستقبلهم بثقة تمكنهم من رسم غد واعد يثري أنفسهم ووطنهم... و"أسرة" متماسكة مزدهرة قائمة على الصلات الاجتماعية القوية والحيوية... وثقافة نابضة بالحياة مرتبطة بالجذور الإسلامية العربية للإمارات. العنصر الثاني (متحدون في المصير... اتحاد قوي يجمعه المصير المشترك) اتحاد منيع ومتكامل يحمي "الإماراتيين". العنصر الثالث (متحدون في المعرفة والإبداع) اقتصاد تنافسي بقيادة "إماراتيين" يتميزون بالإبداع والمعرفة... بحيث يساهم كل "مواطن إماراتي" إسهاما قيما في إنماء وطنه عن طريق بناء معارفه واستثمار مواهبه في الابتكار والريادة. العنصر الرابع (متحدون في الرخاء) "إماراتيون" يتمتعون برغد العيش ويهنأون بحياة مديدة وبصحة موفورة، ويحظون بنظام تعليمي من الطراز الأول ونمط حياة متكامل تعززه خدمات حكومية متميزة وتثريه أنشطة اجتماعية وثقافية متنوعة في محيط سليم وبيئة طبيعية غنية. عندما يكون المعلم، والمهندس، والطبيب، والموظف، والصحفي، والرياضي، والمثقف، والأكاديمي، والأب، والأم... إماراتيين من بين الأفضل على مستوى العالم، فستكون الإمارات بين أفضل دول العالم. ومن واقع تفاصيل هذه الوثيقة، فهي تسعى إلى ذلك وليس إلى غيره. ولا أعتقد أننا اليوم نفكر في أن نكون من بين أفضل دول العالم في المشاريع العمرانية لأننا تجاوزنا هذه المرحلة، فعندنا "برج خليفة، أطول برج في العالم، وعندنا فندق "قصر الإمارات"، من أفخم فنادق العالم، وسيكون عندنا أشهر متحفين في العالم؛ اللوفر وجوجنهايم.. فضلا عن أكبر جزيرة صناعية في العالم وهي جزيرة "النخلة"... ويمكن أيضاً أن نكون من بين أفضل دول العالم في السياحة؛ ولذلك فالإمارات تتميز بتقديم خدمات سياحية راقية، ومن يزُرْها يتمتع بضيافة فاخرة والسياح يأتون إليها بالملايين سنويا.. وهذا يعني أن الإنجازات المادية تحققت وبجدارة تامة. وكي تكون الإمارات بين أفضل دول العالم بعد عقد من الزمان، فذلك يعني أن نصل إلى مرحلة يتمتع فيها المواطن بصحة جيدة ويتلقى خدمات صحية متميزة، ويحصل على تعليم متميز، ويكون مواطنا مثقفا ومتعلما ومتحضرا. أن نكون من بين الأفضل يعني ذلك أن تتوفر فرص العمل المناسبة للمواطن، وأن يحصل على المسكن الملائم، وأن يشعر المواطن وكل من يعيش على أرض الإمارات بالأمن والأمان. أن نكون من بين أفضل دول العالم، فذلك يعني أن يكون لدينا علماء في مختلف المجالات ومبدعون يعرفهم العالم... والاعتماد على أنفسنا في توفير الغذاء الذي نحتاج إليه... والقدرة على صناعة كل احتياجاتنا. ولكي نكون من أفضل دول العالم ينبغي أيضا أن نستمر في الوقوف إلى جانب المظلومين، ومساعدة المنكوبين والمحتاجين. بقدر ما نشعر بما تحتويه هذه الوثيقة من عمل شاق وما يحيط أهدافها من تحديات، إلا أن الأمل في تحقيقها كبير لأن هناك ما هو أكبر بكثير قد نجح أبناء الإمارات في تحقيقه، بعملهم وإخلاصهم.