رغم ما تحقق في الغرب، سواء في دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وكندا، من ديمقراطية يشهد لها القاصي والداني أنها استطاعت تحكيم شعوبها، وإشراكهم في القرارات التي تهمهم، سواء عبر برلماناتها بانتخاب أعضائها، أو التنافس بين مرشحيها للرئاسة الذي يحكمه صندوق الاقتراع وحده، فإن هناك ما ينغص على هذه الديمقراطية ويحد من كمالها، وعلى سبيل المثال تلك الطريقة التي أوصلت الإدارة الأميركية السابقة في فترتها الأولى للحكم مسجلة سابقة تاريخية في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وغير ذلك من أمور نحن بصدد ذكرها في هذا المقال. أثبتت الدول الغربية جديتها في تحقيق الديمقراطية منذ عقود، حين سعت بعض دول أوروبا إلى إقامة اتحاد يجمع دول القارة العجوز، وأسفر هذا المسعى عن تشكيل اتحاد من أغلب دول تلك القارة يرأسه رئيس واحد وسياسته الخارجية موحدة في عهدة وزير يصل بالانتخاب. وأوصلت الديمقراطية الأميركية شاباً أسود إلى قمة هرم إدارة الحكم فيها، وهذه أول حالة لرئيس من عرق غير الإيرلندي أو الإنجليزي اللذين اعتادتهما الولايات المتحدة في رؤسائها منذ تأسيسها قبل أكثر من مائتي عام مضت، وكان أسلاف الرئيس الحالي إلى وقت لا يتجاوز الأربعين عاماً لا يستطيعون ركوب الحافلة جنباً إلى جنب مع البيض، الذين أتوا من أوروبا ليحكموا تلك البلاد ويسيطروا على مواردها البشرية. يتكرر الحديث عن حقوق الإنسان في الدول الغربية، ويصل الى درجة "القدسية" حين يكون الحديث عاماً، أو في مناسبات رسمية، ولكن تلك القدسية ما تلبث أن تتلطخ إذا نظرنا لبعض السلوكيات الممنهجة، إذ أنها لا تعود للسلوك الفردي للمواطنين في تلك الدول، وإنما تتخذ الطابع الرسمي عبر قوانين تسن من برلمانات يفترض أنها تراعي الحقوق الخاصة في المقام الأول، وتحترم الكرامة الإنسانية. وحول الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، فإن قوانينها الخاصة بالمهاجرين، تحدد بنسب معينة كم عدد الذين يستحقون القبول كمهاجرين، إلا أن أبناء الدول الواقعة في الجزء الغربي من القارة الأوروبية مستثنون من هذه النسب، ويحق لمواطني الدول الاسكندينافية دخول أميركا من دون تأشيرة يفترض أن يحصل عليها من إحدى سفارات واشنطن، ويؤخذ من مواطني تلك الدول عنوانهم البريدي عند قدومهم الى مطارات الولايات المتحدة، ليتمكن موظفو الهجرة الأميركية من إرسال نماذج طلب الهجرة إليهم عبر صناديقهم البريدية. وبالرغم من وصول رجل أسود إلى كرسي الرئاسة الأميركي، فإن هذا لم يمنع تلك القوانين المتحيزة ضد كل ما هو غير أبيض، فقد أفادتنا وسائل الإعلام الأميركية قبل عدة أيام عن إحدى النساء الكينيات، أنها أحيلت إلى السلطات القضائية الفيدرالية في مدينة بوسطن، بتهمة الهجرة غير الشرعية للولايات المتحدة الأميركية. تلك المسنة السوداء أتت إلى أميركا أول مرة بدعوة من أبن أخيها غير الشقيق لزيارته في مدينة شيكاجو عام 2000 ، وكررت تلك الزيارة عام 2004 لحضور مراسم أداء القسم لذات الابن بعد فوزه بمقعد في مجلس الشيوخ الأميركي، واستقرت منذ زيارتها الثانية في الولايات المتحدة بعد طلبها للهجرة، الذي تقدمت به في العام الذي وصلت فيه، لكنه رفض من قبل سلطات الهجرة هناك، وما تلك المرأة إلا زيتونة أونيانجو عمة الرئيس الأميركي باراك أوباما!. أعتقد أن هذه الحادثة تضيف إلى ملف العنصرية الثقيل في الولايات المتحدة، ولن تخفف الأحمال عن المطالبين بالمساواة في تلك البلاد، والسبب من وجهة نظري أن الذهنية الأميركية التشريعية لم تسن قوانين إلى الآن، تظهر فيها مرونة أكثر وتقبل للآخر من غير الغرب الأوروبي، لكي يستطيع البحث عن عمل، أو ملاذ آمن مثل تلك المسنة الكينية، التي أرادت العيش بقرب إبن أخيها، بعيداً عن الشظف الذي تعيشه هي وبقية عائلة أوباما في بلدهم الأفريقي الفقير. وبعيداً عن الهجرة والمهاجرين من طالبي العمل أو الملاجئ الآمنة، تنبعث بين وقت وآخر روائح لجرائم ترتكب باسم العمل الخيري، وتحت مظلة منظمات خيرية معروفة ومرخصة في بلدانها الغربية، وآخرها ما أعلنت عنه السلطات الهايتية قبل أسبوعين؛ فرغم الكارثة التي نزلت بسكان تلك الجزيرة، وهمومهم من ذلك الزلزال المدمر، آلمت بذلك المجتمع كارثة توازي كارثة الزلزال وربما تفوقه، بعد الإعلان عن اعتقال عشرة أشخاص نصفهم نساء يحملون جوازات أميركية، وقام هؤلاء الأشخاص باختطاف 33 طفلا هايتي، وحين تم اعتقالهم وهم يهمون بمغادرة هايتي عبر حدودها مع جمهورية الدومينيكان، زعم الخاطفون أن هؤلاء الأطفال من الأيتام، وإنهم-الخاطفون- يعملون في منظمة خيرية مقرها في الولايات المتحدة ترعى الأطفال الأيتام جراء الكوارث!، وقبل هذه الحادثة أعلنت السلطات التشادية عام 2007 عن جريمة مماثلة قام بها أعضاء في منظمة خيرية فرنسية استطاعوا اختطاف أكثر من مائة طفل سوداني وتشادي، واعتقلوا وهم يهمون بمغادرة تشاد عن طريق مطار عاصمتها. يتشدق الغرب بحقوق الإنسان وكرامته المقدسة حسب ما يزعم ، وتقوم بعض جرائمه تحت مسميات منظمات خيرية، وما هي إلا جرائم ترتكب بحق الإنسانية؛ إذ كيف نستطيع أن نفسر استغلال أوضاع الفوضى في بعض البلدان الفقيرة، واختطاف الأطفال من أحضان أمهاتهم، ونقلهم من بلدانهم بطرق غير مشروعة، إلا أن هناك جريمة ارتكبت عن سبق إصرار وتخطيط بقصد تحقيق مصالح خاصة لا نستطيع أن نفرق بينها وبين تجارة الرقيق، التي ما زالت إلى الآن تمارس بهذه الطرق المضللة. توجه لبعض الدول العربية الاتهامات بالتقصير في حقوق الإنسان، عبر بيانات وتقارير حقوق الإنسان السنوية الصادرة من منظمات ومؤسسات خاصة وحكومية في أميركا، أو دول الجزء الغربي من أوروبا، ولم نر يوماً أن هذه التقارير وجهت الاتهام لأي من تلك الدول، التي ضبط مواطنوها العاملون في منظماتها الخيرية وهم يقترفون جرائمهم ضد الإنسان؛ فهل نستطيع أن نضع لهذه التقارير مصداقية في أنفسنا؟، أم نعتبر تلك المنظمات التي يفترض أنها تدافع عن حقوق الإنسان، وسائل لتحقيق مصالح سياسية لدولها التي ترعاها وتعتبرها أذرعاً للضغط في سبيل تحقيق تلك المكاسب؟!، وهل من قيمة لهذه الديمقراطيات من دون أخذ كرامة الإنسان بالاعتبار في المقام الأول؟