لدى "تي بوون بيكنز" فكرة عظيمة قد تكون جيدة في حد ذاتها. لكن عندما ينحدر "بيكنز" إلى إثارة الخوف، واستخدام التعصب، من أجل تسويقها، فإن تلك الفكرة تتحول حينئذ من فكرة كبيرة إلى أخرى صغيرة وتصبح غير مستساغة بالتالي. و"خطة بيكنز" تقترح هدفا بعيد المدى يتلخص في إنهاء الاعتماد الأميركي على النفط المستورد، وتدعو لتطوير كبير في قدرة الولايات المتحدة على توليد الكهرباء من التوربينات الهوائية، والألواح الشمسية، وتحويل محركات الشاحنات وسيارات الركوب، للعمل بالغاز الطبيعي المستخرج محليا. وحسب تصور "بيكنز" فإن تلك الخطة ستخلق ملايين "الوظائف الخضراء" وتقلل التلوث، وتوفر تريليونات الدولارات، فيما يعتبره "بيكنز" أكبر عملية تحويل للثروة في تاريخ الجنس البشري. وعامة يمكن القول إن الخطة تحتوي على كثير من النقاط الإيجابية. فهي سليمة اقتصاديا وبيئيا، كما لا تخلو من الابتكار أيضا. لكن هذا لا ينطبق على الطريقة التي يقود بها بيكنز حملته، بكلفة تبلغ 62 مليون دولار، حيث يعمد إلى تعزيز فكرته من خلال اللعب على وتر المشاعر المعادية للعرب في الولايات المتحدة. وإعلان بيكنز التلفزيوني الذي يعرض منذ أسابيع، يبدأ بنص عربي مكتوب على شاشة ذات خلفية معتمة، نسمع فيه صوت مترجم يقول: "اذهبي للنوم مرة أخرى يا أميركا فقد انتهت أزمة النفط". ينتقل الإعلان بعدها إلى مشهد مشؤوم يظهر فيه جنود مدججون بالسلاح يحرسون حقول البترول، بينما تُعزف موسيقى ذات إيقاعات عربية في الخلفية. بعد ذلك يقدم بيكنز نفسه في الثواني المتبقية من الإعلان، من خلال سرد سريع للإطار العام لخطته التي سوف توقف استيراد النفط من الخارج، مضيفاً أن "معظم هذا النفط يأتي من بلدان لا تضمر لنا مشاعر الود". وبمقدور المرء مناقشة الحقائق التي تنطوي عليها خطة بيكنز من خلال التساؤل عما إذا ما كان يمكن لأي خطة اقتصادية كبيرة أن تكون "مستقلة" في عالم يزداد ترابطا باضطراد؟ وهل صحيح أن معظم النفط الذي نستورده من الخارج يأتي من بلاد لا تضمر لنا الود؟ ومن صاحب المصلحة الحقيقية في هذا الإعلان؟ وهو سؤال يمهد لطرح أسئلة أخرى حول الاستثمارات الكبيرة للملياردير "بيكنز" في مجال الغاز الطبيعي ومزارع الرياح. الشيء الذي بدا لي أكثر إزعاجاً هو طريقة استخدام الإعلان بشكل صارخ في اللعب على وتر التعصب ضد العرب، من أجل كسب دعم الرأي العام الأميركي. وهذا في حقيقة الأمر ليس بالشيء الجديد، فالسياسيون الأميركيون، الجمهوريون والديمقراطيون، دأبوا لسنوات طويلة على استهداف العرب بالنقد والتهكم كلما تعلق الأمر بالنفط. فخلال الحملة الرئاسية لعام 2008 تعهد المرشحان بـ"إنهاء الاعتماد على نفط الشرق الأوسط"، بل وتعهدا في نقطة معينة من الحملة بإنهاء استيراد النفط من المملكة العربية السعودية تحديداً! وبما أن نصيب دول الشرق الأوسط من إجمالي الواردات الأميركية من النفط لا يزيد عن 15 في المئة، فلا يسع المرء سوى التساؤل: ما سبب إصرار الساسة الأميركيين على استهداف العالم العربي عامة والسعودية خاصة؟ الإجابة هي أنهم يفعلون ذلك لأن خبراءهم الاستراتيجيين قد أخبروهم أن من يفعل ذلك تزداد حظوظه في استطلاعات الرأي. لكن الذي لا يعترف به هؤلاء هو أن حظوظهم في استطلاعات الرأي تزداد لأن هناك انحيازا عميقا ضد العرب في الثقافة الغربية، وهو تحديدا ما يعتمدون عليه في مواقفهم. منذ سنوات خلت، درست هذا الموضوع مع صديقي "موحد شاه" وقارنا بين الرسوم الكرتونية المناوئة لليهود في ألمانيا قبل صعود النازية وفي روسيا القيصرية، وبين الرسوم الكرتونية الأكثر معاصرة المناوئة للمسلمين، والتي نجدها في مجمل وسائل الإعلام الأميركية حالياً. وكانت النتيجة أن وجدنا تشابها مزعجا بين الاثنين، سواء في الشكل أو في المضمون. فالمصرفي اليهودي الذي كان موضعا للسخرية وهدفا للرسوم الكاريكاتيرية في ألمانيا ما قبل النازية، وفي روسيا القيصرية أيضاً، حل محله الآن ذلك العربي الذي يملك براميل النفط! واليهودي المخرب، الفوضوي، الثوري، اختفى ليظهر محله "الإرهابي العربي". والشيء الذي لم يكن أقل إزعاجاً هو النية الكامنة وراء تلك التصويرات السلبية من أجل حشد الرأي العام، واستثمار مخاوف السكان القلقين، من خلال استخدام الصور النمطية التي تشيطن مجموعة أخرى مختلفة من الناس. وإذا كان من الخطأ كسب الدعم من خلال استثمار التمييز ضد السود عبر اللعب على وتر المخاوف من "الجريمة والعنف"... وكان من الخطأ كذلك تصوير اليهود بأنهم يسيطرون على هوليوود والبنوك... فإنه خطأ بنفس الدرجة أن يعمد رجل مثل بيكنز إلى الترويج لحملته الخاصة بالطاقة من خلال استثمار المشاعر المعادية للعرب. ربما يكون لدى بيكنز فكرة طيبة، وربما أستطيع المجادلة في بعض النقاط التي تقوم عليها فكرته، لكني لا أستطيع المجادلة حول النقطة الخاصة بالحاجة إلى المحافظة على الطاقة لإنهاء اعتماد العالم كله، وليس أميركا فحسب، على أنواع الوقود الأحفوري من أجل معالجة التغير المناخي، وإيقاف إنفاق أموال طائلة من أجل استيراد النفط. والحقيقة أن بيكنز كان قادراً على كسب قضيته اعتمادا على هذه المزايا وحدها، بدلا من اللجوء إلى تأجيج التعصب ضد العرب من أجل كسب الدعم لفكرته!