تبدو منطقة المشرق العربي من الخليج في أقصى الشرق إلى ضفاف المتوسط مستسلمة لقدرها مجدداً على إيقاع حربين يزداد الحديث عنهما قريباً من أطراف لا ترغب أساساً بوقوع أي منهما، وخاصة دول الخليج العربية. الأولى هي نذر تصعيد بين أميركا مع حلفائها -وخاصة إسرائيل- وبين إيران بسبب البرنامج النووي. والثانية مواجهة يحذر وليد المعلم من أنها ستكون "حرباً شاملة" مؤكداً أن على إسرائيل ألا تجرب السوريين الذين سينقلون الحرب للمدن الإسرائيلية، وبعواقب وخيمة. وقبله كان حسن نصرالله يتوعد إسرائيل بالهزيمة إن اعتدت على لبنان، وينذر بحرب "ستغير وجه المنطقة". وعقب هذين التحذيرين السوري ومن "حزب الله" جاء تحذير وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان بأن سوريا ستخسر الحرب والسلطة معاً. ووسط كل هذا التصعيد اللفظي لم تنفع تطمينات الإيرانيين والأميركيين لنا في الخليج بأنه لا مواجهة. ولا أدري كيف لا تقرأ إيران التطمينات والتأكيدات الخليجية المتكررة منذ ثلاثة أعوام بأن أراضي دول مجلس التعاون الخليجي لن تكون منطلقاً لأي حرب أو ضربة عسكرية أميركية ضد إيران، وآخر تلك التطمينات جاءت من رئيس مجلس الأمة الكويتي، وخاصة أن أميركا توجد حول إيران في العراق وأفغانستان وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وفي مياه الخليج. ولديها صواريخ "توماهوك" و"كروز" وقاعدة "ديغو غارسيا" في المحيط الهندي، وحاملات الطائرات في الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر. وأميركا ليست بحاجة لاستخدام أراضي الغير لشن حرب على إيران. ولذلك يبدو غير مناسب تصريح علي لاريجاني في الكويت وتحذيره لدول المنطقة. ولا أعلم كيف يتوقع منا أن نقتنع بأن "الولايات المتحدة تستخدم إيران كفزاعة" لترهيبنا ولتعزيز وجودها في المنطقة. ولكن تطمينات لاريجاني وقوله إن إيران "لا تريد الإضرار بدول مجلس التعاون الخليجي.. ولا تسعى للتدخل في شؤونها الداخلية"، قد لا تكفي، لأنه بعد أيام من تطميناته تلك سارع هو ورئيس هيئة الأركان الإيرانية المشتركة، من طهران، لتحذيرنا مجدداً! وفي التصعيد على جبهة المواجهة الأخرى لم تطمئن كثيراً تصريحات نتنياهو بأن إسرائيل تسعى للتفاوض مع السوريين من دون شروط، ولم تساعد على خفض مؤشر التوتر المرتفع على إيقاع توازن الرعب الإقليمي سواء في الخليج أو في الشرق الأوسط بشكل عام. إذن هو شتاء ساخن قد يعقبه ربيع وحتى صيف أكثر سخونة وتصعيداً، خاصة مع الجمود الكلي في مسار التسوية والسلام في المنطقة منذ تشكيل حكومة "الليكود" المتشددة، وفي ضوء جمود الموقف بين طهران وواشنطن على رغم سياسة اليد المبسوطة الأميركية منذ مجيء إدارة أوباما قبل أكثر من عام. وفي كلا الملفين، الإيراني وعملية سلام الشرق الأوسط، بدا واضحاً العجز الأميركي عن تحقيق أي تقدم. وفي كلتا الحالتين هناك خيبة أمل وإحباط كبيران في المنطقة، مما قد يُفسح المجال للقوى المتشددة عند الأطراف المعنية لتمارس دورها كي تكسب التعاطف والتأييد الشعبي وخاصة في مسار الصراع العربي/ الإسرائيلي بسبب التعنت والبطش الإسرائيلي معطوفاً على الانحياز الأميركي، وسياسة الكيل بمكيالين. وهذا قد يُفسح المجال أمام التصعيد والمواجهة وحتى الحرب كخيار أخير لتحريك مسارات التفاوض والتنازل. ألم يقل المخطط الاستراتيجي البروسي إن الحرب هي دبلوماسية بطرق وأساليب أخرى؟ وحتى الحرب التي لا يرغب فيها أحد قد تكون في بعض الأحيان طريقاً لصنع السلام. وهذا ما نخشى أن نكون متجهين إليه. حربان يتم التحضير لهما في عقر دارنا، في رأي المتشائمين، والجميع يسعى ويتمنى، مع ذلك، ألا تقع أي منهما. ولكن الحروب عادة ما تُخاض بحسابات خاطئة وبنتائج مبالغ في دقتها. وقديماً قيل: من السهل أن تشن حرباً ولكن لا يعلم أحد كيف ستنتهي وخاصة من بدأها. والأمل... كل الأمل ألا تقع أي من الحربين. ولنا عودة.