أوباما: تهميش أوروبا وكبح الصين... واللعب بالورقة الروسية! شبح تهميش أوروبا على المسرح الدولي، والثغرات السياسية والموضوعية في شهادة بلير عن حرب العراق، وارتفاع نبرة السجال بين أميركا والصين، موضوعات استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية. أوروبا وفتور أوباما في افتتاحية لصحيفة لوموند قالت إن ثمة شعوراً متنامياً الآن في القارة العجوز بأن الرئيس الأميركي بدأ يضع اهتمامه بأوروبا على الموقد الخلفي. ولذا فإن موجة الحماس والاحتفال التي اجتاحت مختلف العواصم الأوروبية قبل عام بمناسبة مجيء أوباما إلى البيت الأبيض، وما ساد خلال ذلك من تفكير رغائبي بأن الأواصر الأطلسية ستعود إلى أيامها الزاهية، كل ذلك تراجع الآن بعد مرور سنة، وتكشف عن انقشاع واضح للأوهام، وحل محل ذلك نوع من الشعور بالمرارة. ولعل أظهر خيبات الأمل على هذا الطريق قد تمثل في رفض أوباما المشاركة في قمة الولايات المتحدة- أوروبا، التي نظمها واستضافها رئيس الوزراء الإسباني ثاباتيرو. وفي نوفمبر الماضي قرر أيضاً عدم المشاركة في الاحتفالات المخلدة للذكرى العشرين لسقوط جدار برلين. وقبل ذلك جعل ساركوزي يتجرع المرارة حين قرر عدم التعريج على قصر الأليزيه أثناء زيارته العائلية لباريس في شهر يونيو 2009. والحال أن لأميركا الكثير من المبررات التي قد تدفعها لإدارة ظهرها للأوروبيين، خاصة أنهم ليسوا في أفضل أحوالهم الآن. فاستحقاقات اتفاقية لشبونة التي توهم الواهمون أنها ستقوي تأثير القارة العجوز على المسرح الدولي لم تزد هذا التأثير شيئاً يذكر إلى حد الآن. بل على العكس وقعت الحالة الأوروبية الآن فريسة تنافس أدوار محتدم بين الرئاسة الدورية (ثاباتيرو) والرئاسة القارة (التي يتولاها البلجيكي هرمان فان رومبوي)، هذا إضافة إلى رئاسة المفوضية وعلى رأسها باروزو التي ما زالت تنتظر هي أيضاً مصادقة البرلمان الأوروبي عليها. أما الممثلة العليا للسياسة الخارجية فما زالت لم تترك أية بصمات حتى الآن. والنتيجة يمكن قراءة بعض مفرداتها في غياب التنسيق والفاعلية المطبقين في مواجهة تداعيات الأزمة المالية الخطيرة التي تضرب اليونان الآن. وكل هذه الجراح الأوروبية الفاغرة في آن واحد تجعل الرئيس الأميركي يشعر بأن لديه ما هو أكثر إلحاحاً من هموم أوروبا. ومن هنا فإن على الأوروبيين البحث بأنفسهم عن مكانة ودور، ولعل تأمل دروس عزلتهم وإخفاقهم في قمة كوبنهاجن هي مما يفيد في هذا الاتجاه، فبعد أن تلاشى ما كانوا يعتقدونه نموذجاً أوروبياً للعالم، يخشى الآن أن يتلاشى أيضاً دورهم كشريك استراتيجي مؤثر بالنسبة لواشنطن. وإذا لم تستخلص أوروبا عبر هذا الدرس فإنها ستجازف بالوقوع في المزيد من التهميش. وعلى ذات الوتر أيضاً عزفت افتتاحية أخرى لصحيفة لوفيغارو قالت في مستهلها إن لأوباما من الأولويات ما يجعله يدير ظهره لحلفائه الأوروبيين بعدم حضور قمة بلاده مع أوروبا في مدريد، وخاصة أن لقاء شكلياً وفضفاضاً من هذا النوع، لا تعلق عليه عادة أية تطلعات ذات شأن. ولكن هذا لا يقلل مع ذلك من حجم الصفعة التي تلقاها الأوروبيون الذين يزداد شعورهم بأن أميركا بدأت تعطي من الاهتمام لشركائها الآسيويين أكثر مما تعطي للقارة العجوز. ولكن إذا عرف الأوروبيون كيف يلعبون دورهم الدولي بقوة فإنهم سيتفادون شبح التهميش المحدق بهم الآن في عالم يتغير بشكل جذري. وفيما يخص استدارة واشنطن نحو آسيا، علينا أيضاً أن نتذكر أن حاجتها إلى حلفاء أقوياء ومؤثرين هي ما يدفعها لذلك. العراق: رواية بلير! تحت هذا العنوان كتبت لوموند افتتاحية قالت في بدايتها إن توني بلير لا يشعر إذن بالأسف ولا بالندم! بل إنه أكثر من ذلك ما زال يصر على أن قراره بالمشاركة في غزو العراق مع بوش سنة 2003 كان هو القرار الصائب. وفي استجواب اللجنة البريطانية المكلفة بالتحقيق في حرب العراق ركز على الدواعي القوية التي فرضت إسقاط نظام صدام، باعتبار ممارساته، وبالنظر إلى الخطر الذي كان يمثله ليس على المنطقة فقط، بل على العالم أجمع. وتقول الصحيفة إن بلير كان على حق في الجزئية الأولى، على اعتبار أن صدام لم يكن ديكتاتوراً عادياً، فقد دمر بلده، وتسبب في مقتل مئات الآلاف. ولكن على رغم هذا فإن نظامه طالما كان محل علاقات قوية مع الغرب (وخاصة باريس)، في فترة معينة. ولكن بلير كان خاطئاً بشكل كبير فيما يتعلق بالجزئية الثانية، وهي القول إن العراق كان يشكل خطراً داهماً على الشرق الأوسط، أحرى "العالم أجمع". والادعاء الثاني الأظهر الذي يثير الأسئلة في شهادة بلير هو قوله إنه لم يكن يخامره الشك في امتلاك صدام أسلحة دمار شامل في بداية سنة 2003. ونظراً للأجواء التي فرضتها هجمات 11 سبتمبر والخوف من أن تقوم دولة، غير مسؤولة، كعراق صدام، بتزويد "القاعدة" بأسلحة من هذا القبيل، كان لابد من التصرف بحزم وقوة لوأد مصادر التهديد في مهدها. وهنا لا حاجة للتذكير بتهافت هذه المزاعم فلم يثبت أبداً وجود علاقة بين العراق حينها وتنظيم "القاعدة". تماماً مثلما أجمع ويجمع الخبراء على عدم وجود تلك الأسلحة بحوزة العراق يومها أيضاً. ولكن ما لم يعترف به بلير في شهادته بات معروفاً بما فيه الكفاية. فبوش حين قرر شن حرب الاختيار تلك كان هدفه إعادة صياغة المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط، بصفة عامة. وكان دخول بغداد، وترسيخ نظام نموذج فيها، هو الخطوة الأولى ضمن ذلك المشروع. ولكن بعد مرور سبع سنوات على الحرب ما زالت العاصمة العراقية الآن تتعرض للتفجيرات والهجمات، ولم يتحقق شيء من ذلك المشروع. وتنتهي لوموند إلى القول إن بلير لم يقنع بادعاءاته تلك سوى القرص الصلب الضيق من دائرة حلفائه الأوفياء، وأما بقية العالم فلم تنطل عليها روايته. بكين- واشنطن: تصعيد النبرة التصعيد الراهن في نبرة الخطاب بين واشنطن وبكين لفت اهتمام الكثير من كتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية. الكاتب بيير روسلين توقف في افتتاحيته بصحيفة لوفيغارو خاصة عند دلالات السجال بين العملاقين حول صفقة الأسلحة الأميركية لتايوان، معتبراً أن تداخل علاقات ومصالح البلدين كان يفترض ألا تثير معه صفقة من هذا الحجم (6.4 مليار دولار) كل تلك العاصفة. ومشكلة واشنطن هنا هي أنها ملزمة بموجب اتفاقية مع تايبيه تعود لسنة 1979 بتوفير الأسلحة الدفاعية للجزيرة الصينية. غير أن تصعيد الصفقة الحالية جاء في وقت غير بريء. فهو يأتي بعد الزيارة محدودة النجاح التي أداها أوباما للصين في منتصف شهر نوفمبر الماضي، وإثر رفض بكين إعادة تقييم عملتها "اليوان"، وفشل قمة كوبنهاجن حول المناخ، ونزاع شركة "غوغل" مع الصين، إلى غير ذلك من بؤر الاحتقان والتجاذب بين الدولتين الأكثر تأثيراً في عالم اليوم. أما الكاتب "دانيل ريز" فيركز في افتتاحية "لامونتان" على بداية تصليب أوباما لمواقفه من أوروبا والصين، مدفوعاً إلى ذلك بإخفاقات داخلية منها خسارته لمقعد ماساشوسيتس في مجلس الشيوخ، وتعثر برنامجه لإصلاح الرعاية الصحية. وأمام هذه العثرات الداخلية يعمل الآن على تقوية موقفه في السياسة الخارجية، بتقليل اهتمامه بأوروبا، وإفهام الصين أنه ليس في وارد قبول إملاءاتها وشروطها. ويبدو أنه يلعب الآن الورقة الروسية، فبعد تطمينه لموسكو بعدم اقتراب "الناتو" من حدودها، أصبح في مقدوره الحساب على حلفاء روس أقوياء، يستطيعون مساعدته في ملفات شائكة كصراع الشرق الأوسط، والملف النووي الإيراني. وإذا استيقظت أوروبا من سباتها، ربما يجد ضرورة لإشراكها في اللعبة. إعداد: حسن ولد المختار