أبدت الصحافة الإسرائيلية اهتماماً كبيراً بأمرين، الأول ورقة كتبها صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين حول حالة مفاوضات السلام مع إسرائيل، والثاني التهديد الذي أطلقه افيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي ضد سوريا بشن الحرب عليها. إن الأمرين معاً يُشيران إلى واقع تأزم في الحالة الإسرائيلية- العربية ويكشفان عن تدهور - لفظي كلامي - نحو التسخين والتصعيد. لقد أبرزت الصحف الإسرائيلية البديل الذي دعت إليه ورقة عريقات وهو التنازل عن حل دولتين - أي دولة - للفلسطينيين بجوار إسرائيل والاتجاه من جديد إلى خيار الدولة الواحدة مزدوجة القومية التي يعيش فيها العرب واليهود. لقد اعتبر المحللون الإسرائيليون أن هذه الورقة التي كشف عنها النقاب مؤخراً تعبر عن حالة يأس فلسطيني وخاصة في أوساط السلطة من قدرة إدارة أوباما على تحقيق اختراق في عملية التسوية يخرج بها عن جمودها. عودة التفكير الفلسطيني إلى خيار الدولة العلمانية الديمقراطية تمثل بالفعل نقطة تحول عن مسار "أوسلو"، كما تعني إعلاناً بفشل عملية التسوية التي انطلقت في مؤتمر مدريد عام 1991 بعد مرور تسعة عشر عاماً من المراوحة بين الجمود والتفاوض والانتفاضة والعمليات الفدائية، وتشييد السور العازل وتعزيز الاستيطان اليهودي والتمكين للاحتلال. كشف الصحافة الإسرائيلية عن ورقة عريقات وما تشيعه من حالة يأس على المسار الإسرائيلي- الفلسطيني من حل الدولتين، يتضافر مع حالة التسخين التي أطلقها "ليبرمان" في اتجاه سوريا في رسم علامة استفهام كُبرى حول طبيعة المرحلة الراهنة، وهل هي مرحلة تنذر بانفجار عسكري، أم أنها مرحلة ستؤدي إلى تبريد واستئناف للتفاوض المباشر أو غير المباشر على المسارين الفلسطيني والسوري؟ لقد بدأت حالة التسخين على المسار السوري بتصريح أطلقه وزير الدفاع ايهود باراك الأسبوع الماضي، تحدث فيه عن حيوية السلام مع سوريا كضرورة لمنع الحرب الشاملة في المنطقة. في أعقاب ذلك صدر تصريح من الرئيس السوري قال فيه إن الوقائع كلها تشير إلى أن إسرائيل تدفع المنطقة باتجاه الحرب. إن تدخل "ليبرمان" الذي تطرق إلى الوضع بين سوريا وإسرائيل خلال محاضرة ألقاها في جامعة "بارايلان" قد شابه الطيش المعروف عن الرجل الذي اكتسب شهرته الأكبر عندما هدد مصر منذ سنوات بقصف السد العالي في أسوان.على طريقة (جر الشَّكل)، اعتبر "ليبرمان" تصريح الأسد بمثابة تهديد مباشر لإسرائيل لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، ثم أطلق العنان لحماقته فراح يُهدد سوريا ويتوعدها. معظم المحللين الإسرائيليين يعتبرون "ليبرمان" عديم الفهم السياسي، وأنه شخص فاقد السيطرة على نفسه ولسانه، فلقد طالب عضو الكنيست عن حزب "العمل" اتيان كابل رئيس الحكومة بأن يضع حداً لليبرمان مثير الشغب والحروب، وأن يتخلص من وجوده في الحكومة. إن الحملة النقدية التي شنها السياسيون والمعلقون الصحفيون على ليبرمان، لا يمكن فهمها إلا في إطار عملية إطفاء لنيران الحماقة التي أشعلها على المسار السوري، وفي إطار رسالة علنية للسوريين، تعني الاعتذار الضمني. هذا التسخين لا يدل على توجه مؤسسي لدى الحكومة الإسرائيلية لإشعال حرب مع سوريا، فذلك لن يكون نزهة كالحرب على غزة أو حتى خسارة محدودة مثل الحرب على لبنان، بل مقامرة حمقاء تعرض العمق الإسرائيلي لمخاطر ترسانة الصواريخ السورية القادرة على إنزال خسائر جسيمة. التصريح الذي صدر عن مكتب نتنياهو مساء الأربعاء الماضي، يسير في اتجاه إطفاء حماقة ليبرمان عندما أكد أن نتنياهو مستعد للذهاب إلى أي مكان من أجل استئناف المفاوضات مع سوريا. نحن إذن على المسار السوري في حالة مراوحة بين التسخين اللفظي والجمود دون اختراق حقيقي في عملية التفاوض وهو الأمر نفسه على المسار الفلسطيني حيث يتراوح الموقف بين إعلان اليأس الفلسطيني من المسار التفاوضي وحل الدولتين وبين العودة إلى الجمود مرة أخرى. حكومة نتنياهو لن تفرز سوى هذه المراوحة التي تحقق لها تفادي الحروب بالردع الكلامي والتسخين اللفظي وتمنحها الوقت اللازم لمواصلة الاستيطان دون التعرض لأي صدام مع الموقف الأميركي، فهي لا تريد أفضل من هذه المراوحة التي لا تزعجها في شيء ولا تؤثر على برامجها التوسعية.