أعدتُ قراءة الخبر الذي قامت بنشره الصحف السعودية عدة مرات، وأنه ليس خبرا مفبركاً! يقول مضمون الخبر إن كاتباً سعوديّاً تمَّ إيقافه واستجوابه في مركز الشرطة بسبب دعوته نقل محاضرة نسائية بنادي الباحة عبر الشاشة لقاعة الرجال بدلًا من اللوحة الترحيبيّة الجامدة! كان رئيس نادي "الجوف" قد قام بتقديم شكوى للشرطة يتهم فيها الدكتور على الرباعي بأنه يدعو إلى التبرّج، معتبراً بأن طلبه دخيل على العادات والتقاليد السعودية وخارج عن تعاليم الدين! المفترض أن النوادي الأدبية هي مركز تنوير وتثقيف، ومن يرأسها يجب أن يتحلّى بالأفق الواسع ويحترم حرية كل فرد في التعبير عن رأيه، فكيف يترأّس إحداها رجل يحمل منظورا فكريا متشددا ويُصادر حق الآخرين في طرح رؤياهم الخاصة! جميعنا بدأنا نتفاءل بوجود انفراج في التعامل مع قضايا المرأة داخل السعودية، خاصة بعد تراجع عدد من مشايخ الدين عن رؤيتهم المتعصبة للمرأة بجواز إباحة الاختلاط بين الجنسين، لكن يظهر بأن الأغلبية ما زالت متمسكة بنظرتها الضيقة للمرأة على أنها وعاء متحرّك لإثارة الغرائز وإشاعة الفتنة! صراحة لم تطأ قدمي نادياً أدبيّاً في السعودية منذ أكثر من عقد، وهذا لإيماني بطغيان الشللية والعلاقات الخاصة على المناخ السائد بالنوادي الأدبية، إضافة إلى السياسة العامة المتبعة فيها بوجوب عزل المرأة عن الرجل في النشاطات الثقافية، وهو الذي ما زلتُ ارفضه جملة وتفصيلًا لإيماني بأن على المرأة الوقوف في جميع مناحي الحياة بجانب الرجل فعلاً وقولًا. حاضرت في عدد من الجامعات والمراكز الثقافية، وقدّمتُ أوراق عمل في كثير من المحافل، وشاركت في ندوات وملتقيات عديدة في أغلبية الدول العربية، وكان دوما جمهور الحضور متنوّعاً ما بين رجال ونساء من مختلف الأعمار. لم أجد في لحظة من اللحظات حرجاً في الاستماع لمداخلات الرجال، ولم أشعر في أي وقت بالخجل وأنا أتناقش معهم، ولم أرَ الدنيا تقوم ولم تقعد عندهم أو أتهم بأنني تسببتُ في إشعال حرائق الفتنة، بتواجدي في قاعة واحدة مع جمهور الحضور من الجنسين! لماذا كل هذا يجري في وطني؟! ولماذا دوماً حسن النية معدوم في مجتمعي تجاه كل ما يخصُّ المرأة؟! ولماذا هذه النظرة المريبة المكبلة بالشهوة حين يتعلّق الأمر بالمثقفة السعودية تحديدا؟! لمَ لم تشفع لها ثقافتها، وسعة أفقها في تعامل المتشددين مع كينونتها كامرأة، واحترام حقها بالمشاركة في قضايا مجتمعها؟! في الاحتفال الذي أقامته جريدة الاتحاد بمناسبة مرور أربعين عاما على صدورها، صادف أن جلس بجواري على نفس المائدة رئيس تحرير لواحدة من الصحف السعودية، ودار نقاشنا في حميميّة صادقة حول قضايا جوهريّة تنصبُّ في حب وطننا، وحول قضية المرأة داخل السعودية. سألته ليلتها أسئلة بريئة وسط الأجواء الثقافية الجميلة المحيطة بنا.. هل من الممكن أن نحتفل في بلادنا بمناسبة ثقافية على هذه الطريقة الحضاريّة؟! هل يستطيع زميل سعودي الجلوس بجانبي دون أن نجد العيون ترمقنا بنظرات الاتهام، وتنهال علينا بالشتائم، وأننا ضربنا بعرض الحائط أعرافنا وتقاليدنا؟! هل من الممكن أن نتحدّث عن همومنا الحياتيّة وما يؤرّقنا كمثقفين بحرية دون أن يحكم علينا المتشددون بأننا خرجنا عن شريعة العيب والحرام؟! أفكار مبعثرة تلتحم في بؤرة عقلي، تحاول أن تجد إجابات مقنعة تُرضيني.