ليس خافياً على أحد أن أميركا باعتبارها دولة صناعية كبرى تحتاج إلى استهلاك كميات كبيرة من الطاقة لاستمرار اقتصادها على وتيرته الحالية، وقد حان الوقت لكي تبدأ في الاعتماد على نفسها لإنتاج الطاقة دون إبطاء، لا سيما وأن مبالغ كبيرة من المال تُنفق يومياً لشراء الطاقة من البلدان الأجنبية، التي لا يهمها في الحقيقة المصلحة الأميركية، ولا التلوث الذي يصيب نظامنا البيئي، كما أن السماح لأميركا بالاستمرار في الاعتماد على الخارج لتأمين احتياجاتها من الطاقة سوف يقود فقط إلى المزيد من التعقيدات، والارتهان للمصالح الأجنبية، وبخاصة خلال أوقات الأزمات الاقتصادية والحروب التي تحتاج فيهما أميركا لموارد مالية كبيرة واستقلالية في اتخاذ القرار. وعلى غرار الرؤساء من قبله يدرك أوباما الحاجة إلى اعتماد أميركا على نفسها في توفير ما يلزمها من الطاقة، وهو ما أوضحه في خطاب "حالة الاتحاد" خلال الأسبوع الماضي عندما أوصى بالسعي إلى اعتماد الطاقة البديلة كمصدر لتوليد احتياجاتنا من الكهرباء، واللجوء إلى الوسائل والتقنيات المبتكرة لخلق وظائف في مجال الطاقة النظيفة. ولتحقيق هذا الهدف علينا اللجوء إلى فتح المزيد من المحطات النووية كما أشار إلى ذلك أوباما، لكن أميركا ليست مضطرة لإقامة منشآت إشعاعية لإنتاج المزيد من الطاقة، كل ما تحتاجه هو حل عملي لمعضلة الاعتماد على النفط الأجنبي، حل يقلل من النفايات بدل من أن يزيد منها، والحقيقة أن مثل هذا الحل قريب منا، وهو ليس في حاجة إلى مد خطوط كهربائية ذات تردد عال، كما لن يكون له أثر سلبي على المخزون الغذائي مثل الإيثانول الذي يستنفد المحصول الزراعي من الدرة، أو الديزيل المستمد من حبوب الصويا، كما أن هذا الحل يمكن التعويل عليه في جميع الأوقات خلافاً لطاقة الشمس، أو الرياح، أو الطاقة المائية. حل مشكلة إدماننا على الطاقة يكمن في القمامة، وهو ما يذكرنا بأحد الأفلام السينمائية الذي عرض في الثمانينيات بعنوان "العودة إلى المستقبل" تعتمد فيه السيارات على وقود مستمد من النفايات، ومنذ ذلك الوقت قطعت تكنولوجيا تحويل القمامة والنفايات التجارية إلى كهرباء مسافة طويلة، ففي غضون العقد الأخير فقط تم التوصل بفضل الأبحاث والتجارب إلى أنظمة تحويل القمامة إلى كهرباء تتسم بكونها أكثر فعالية ونظافة. وتكمن أهمية هذه التقنية في قدرتها على تقليل اعتمادنا على النفط الأجنبي بشكل ملموس وواضح، كما أنها قادرة على تحفيز الابتكار وخلق الوظائف الجديدة، وفي هذا الإطار يقول "ستيوارت هابر"، مدير إحدى شركات الطاقة "سيتحول النفايات من مصدر إزعاج إلى مصدر لإنتاج طاقة نظيفة يمكن استخدمها في المكان ذاته الذي تنتج فيه"، وتعتبر شركة "هاربر" واحدة من الجهات التي عملت في الفترة الماضية على تطوير معدات خاصة لإنتاج الطاقة النظيفة اعتماداً على القمامة، فعلى سبيل المثال استطاعت الشركة من خلال "آلة الطاقة الخضراء" إمداد ما يكفي من الطاقة لمجمع سكني يضم 200 شقة عبر حرق كمية لا تتجاوز 300 طن من القمامة، هذه التقنية قادرة على التخلص من 95 في المئة من الفضلات أثناء عملية التحويل. وخلافاً للأساليب القديمة لا تطلق محطات حرق النفايات الدخان الأسود الذي يلوث البيئة، بل تنتج الحرارة في حاويات خالية من الأكسجين تحولها مولدات، أو محركات إلى طاقة، بحيث لا تنبعث سوى كمية ضئيلة جداً من الغازات السامة خلال عملية التحويل. ومن دون تحويل النفايات إلى غاز يستخدم في إنتاج الطاقة، لا تكتسي تلك الكميات الكبيرة من الفضالات أي أهمية، بل ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات التي تلوث بدورها المياه الجوفية وتنتج الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وبتحويل القمامة إلى طاقة يتم تفادي التلوث باستخدامها كمصدر لإنتاج الوقود يمد التجمعات السكنية بما تحتاجه من كهرباء، لكن ذلك لا يعني عدم وجود معارضين لهذه التقنية الجديدة، حيث هناك من يشكك في قدرة القمامة على إنتاج طاقة نظيفة، وهم يتخوفون تحديداً من أن تحويل القمامة إلى طاقة ينجم عنه غازات سامة مثل "الديوكسين" والزئبق، بيد أن هذه المخاوف يمكن تفاديها لو تعامل المعنيون مع التقنية الجديدة بذكاء، فعلى سبيل المثال تغلبت شركة "بلاسكو" للطاقة في أوتاوا على مسألة "الديوكسين" بإزالة كافة الفضلات التي تحتوي على مادة الكلورين قبل إخضاعها للمعالجة، كما يمكن إزالة خطر تسرب الزئبق إلى الطبيعة بانتزاع المواد المضيئة والبطاريات وغيرها من المواد التي يدخل الزئبق في تصنيعها وذلك قبل حرقها وتحويلها إلى طاقة. وفي بلدة "وارينتون" الأميركية يتطلع عمدتها "جورج فيتش" إلى استخدام قمامة البلدة لتزويد الكهرباء والوقود لأكثر من 8500 من سكانها، ويمكنه الحصول على ما يكفي من طاقة للبلدة بحرق كمية لا تتعدى 250 طنا من القمامة يومياً، وهي قادرة لوحدها على تأمين الكهرباء لما يناهز 60 في المئة من السكان، فضلاً عن إمداد حافلات المدرسة والعربات التابعة للبلدية بما تحتاجه من وقود. وبالاستفادة من مكبات القمامة التي تنتشر في العديد من المدن يمكن تكريس نموذج ناجح وجديد في مجال الطاقة المستدامة وتخليص الولايات المتحدة من اعتمادها المفرط على النفط الأجنبي، وهو ما يعبر عنه "فيتش" بقوله "إن الاعتماد على حلول محلية لإنتاج الطاقة مثل مصادر الطاقة البديلة، يفتح أمامنا فرص واعدة للحد من التلوث وخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري". ------- جو ديفيد كاتب أميركي متخصص في شؤون الطاقة ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"