عندما يُؤكد وزير العمل البحريني في مؤتمر "مخرجات التعليم وسوق العمل في دول مجلس التعاون" بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، على أن عدد المواطنين الباحثين عن عمل في دول مجلس التعاون يتجاوز المليون في سوق للعمل تشغل أكثر من 15 مليوناً من الوافدين الذين يتواجدون في سوق العمل معظمهم بالقطاع الخاص. وجب الوقوف عند هذا الرقم الضخم مرات، ويحبذ ألا نغادر المكان قبل إثارة هذا السؤال الكبير، ترى من المسؤول المباشر عن إيجاد مدخلات لهذا العدد من المخرجات؟! سياسات التعليم بدول مجلس التعاون أم سياسات التوظيف، أيها تسبق الأخرى في الأهمية حتى لا ندخل في جدلية فلسفية؟ بعد مرور قرابة أربعة عقود على ثورة التعليم في دول الخليج ومواكبة التكنولوجيا والدخول إلى عصر المعلوماتية بكل متطلباته وتغير الكثير من السياسات بعد كل دورة وزارية أو حكومية وإنفاق المليارات على إصلاح التعليم العام والجامعي في آن واحد تكشف فجأة بأن أرقام البطالة في تصاعد متوالي الأعداد وزيادة الصعوبات التي تواجه إدخال مخرجات التعليم إلى مدخلات السوق وفقاً لمتغيراته. من الذي يتحكم في الآخر قوانين التعليم وسياساته أم قوانين السوق ومتغيراته المفاجئة أحياناً، والأزمة العالمية الأخيرة خير شاهد على أن سياسات التعليم لا علاقة لها بما حصل في مؤتمر شبيه بمؤتمر المركز، عقدته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بمناسبة مرور عقدين على إنشاء كليات التقنية العليا بالدولة، ففي إحدى جلساته جمع من الأطراف المعنية على طاولة واحدة، القطاع الخاص ممثلا بالبنوك والقطاع الحكومي ممثلا بهيئة "تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية" وأخيراً قطاع التعليم العالي الذي يمثل المخرجات ذاتها التي تعاني من عدم وجود مدخلات مناسبة لها في سوق العمل الذي يملك القدرة على استيعاب الملايين ويعجز عن بلع بضعة آلاف من الخريجين! لقد أنشأت الدولة هذه الكليات بهدف تلبية احتياجات سوق العمل التي تمثلت في الابتعاد عن التخصصات الأدبية بالتركيز على اللغة الإنجليزية واستخدام الحاسوب إلى التخصصات الفنية التي ادعت السوق وبإلحاح الضرورة حاجتها إليها في وقتها وبعد مرور أكثر من عقدين اتضح أن بعض خريجي هذه الكليات ليس له مكان من الإعراب في سوق العمل وعلى وجه الدقة حاملي شهادة الحاسوب بكل تفريعاتها مع اتقان اللغة الإنجليزية محادثة وكتابة. فكان التساؤل المهم، إذا كانت المدارس وما قبل المدارس محوسبة وشهادات قيادة الحاسب الآلي بيد كل طالب إضافة إلى شهادة "التوفل" في اللغة الإنجليزية مزكاة بالتخصص الفني الدقيق لم تشفع للحصول على وظيفة محترمة على امتداد سوق العمل، فما المطلوب بعد ذلك حتى يجد الخريج مستقبله الوظيفي؟! إذا سلمنا جدلاً إن سياسات التعليم أحياناً لا تتناسب مع متغيرات سوق العمل، لأنها طويلة المدى، أو العكس، فإن التطابق بين السياستين ليس بهذه السهولة النظرية، لأن سياسات التعليم لا يمكن أن تتعرض بين فينة وأخرى إلى متغيرات غير متوقعة والتي على ضوئها لا يمكن إلحاقها ولا وضع السياسات التعليمية شماعة لبعض إخفاقات السوق وخلل أنظمته. فالمرونة الوقتية التي تتناسب مع اختيارات سوق العمل قد لا تتوافق مع السياسات التعليمية التي تحتاج إلى زمن غير قصير لمعرفة النتائج المرجوة منها. فالأمر بحاجة إلى خريطة طريق واضحة من قبل المسؤولين عن وضع سياسات التعليم في المجتمع الخليجي ومسؤولي سياسات التوظيف لرأب الصدع وسد هذا الخلل الواقع في الميدان، وإلا سنبقى في دائرة الملامة حائرين لمن نوجه إصبع التقصير حتى يجد المُخرَج مدخله.