حتى وقت قريب اعتقد كثيرون أن المعايير المزدوجة في العلاقات الدولية تقتصر على مقررات الأمم المتحدة ومنظماتها التي تراعي إسرائيل وتغض النظر عن خروقاتها المتكررة للقرارات الدولية، في حين تطبق أقصى العقوبات على البلدان الأخرى، وبالأخص البلدان العربية، إلا أن ذلك بدأ في الآونة الأخيرة ينسحب على مؤسسات الأعمال، كوكالات التصنيف الدولية التي أخذت تنتهج نهجاً بمعايير مزدوجة محاولة من خلاله توجيه الاستثمارات نحو أسواقها بصورة أساسية. وقد اكتسب هذا التوجه طابعاً متنامياً في ظل الأزمة المالية العالمية أدى إلى أن تتخلى مؤسسات التقييم عن الكثير من التزاماتها وقيمها المهنية، مما أفقدها، كما أشرنا سابقاً، الكثير من المصداقية السابقة التي كانت تتمتع بها. وقد استهدفت وكالات التصنيف في الآونة الأخيرة بشكل خاص المصارف المحلية، فعمدت إلى تخفيض تصنيف بعضها دون مبررات موضوعية أو بناء على القدرات المالية والائتمانية لهذه الشركات والمصارف. والحقيقة أن هذه التصنيفات لو جاءت متدرجة ومبنية على مكانة المصارف المالية لأمكن تفهمها، فبعض الشركات والمصارف المحلية تأثرت كثيراً وعانت مثل غيرها من الشركات والمصارف العالمية، وهذه مسألة لا يستطيع أحد نكرانها، إلا أن الحقيقة أيضاً أن المؤسسات المساهمة المحلية والخليجية في وضع أفضل من مثيلاتها في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية، وذلك بحكم بعدها عن مركز الأزمة المالية العالمية وضآلة تورطها مع مؤسسات المركز. ومع ذلك وجدنا تقييمات غير عادلة من قبل مؤسسات التصنيف العالمية أبقت من خلالها على تصنيفاتها العالية للشركات والمصارف الغربية التي تعاني من إفلاسات ووقفت على رجليها مرة أخرى بفضل الدعم الحكومي من خلال ضخ مئات المليارات في شرايينها، في حين خفضت بصورة مقصودة من تصنيف الشركات والمصارف الإماراتية والخليجية التي لا زالت تتمتع بأوضاع ائتمانية جيدة على رغم الأزمة المالية العالمية، علماً بأن هناك أكثر من 140 بنكاً أعلنت إفلاسها في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، مما يعكس حدة الأزمة التي يواجهها القطاع المالي والمصرفي هناك. في الوقت الذي لم يعلن عن حالة إفلاس واحدة لأحد المصارف العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، ومع ذلك خفضت "ستاندر إند بورز" على سبيل المثال تصنيف بنك الإمارات دبي الوطني إلى BBB/A-2 في حين أبقت تصنيفها لأحد البنوك الأجنبية عند AA/-1. ولهذه الأسباب حدث ما سبق وأن نبهنا إليه، وهو أن استمرار وكالات التصنيف الدولية في التلاعب بتصنيفاتها والتعامل بمعايير مزدوجة سيفقدها مصداقيتها في المنطقة، حيث أعلن أحد البنوك المحلية الأسبوع الماضي عن وقف التعامل مع وكالة "ستاندر إند بورز" احتجاجاً على تعاملها غير المهني مع البنك، حيث سبق لشركة العمليات التجارية قبل ذلك وأعلنت عن وقف التعامل أيضاً مع نفس الوكالة ولذات الأسباب. وفي الوقت نفسه لم تقدم وكالات التصنيف الدولية أية إيضاحات لهذا الانحياز سوى القول إن الشركات والمصارف المحلية والخليجية تنقصها الشفافية والإفصاح، وهي سمة تميز الكثير من أعمال الشركات والبنوك في مختلف بلدان العالم، كما أن هذه الحقيقة قد سبق وأن نبه إليها العديد من المسؤولين والكتاب في دول المجلس الذين طالبوا بالمزيد من الشفافية، وبالأخص ما يتعلق بالشركات والمصارف المساهمة العامة، مما أدى إلى إحراز بعض التقدم في مجال الإفصاح والشفافية، وبالأخص للشركات المساهمة العامة المدرجة في البورصات الخليجية. والمطلوب الآن أن تتعامل وكالات التصنيف الدولية بشفافية أكثر وتبتعد عن التعامل بمعايير مزدوجة حتى لا تفقد المزيد من المتعاملين، ولكي تستعيد مصداقيتها من جديد.