لا يكاد يمر شهر دون أن نفاجأ بمعلومات حول القضية الفلسطينية، فمن قوافل المهاجرين السودانيين والأفارقة الباحثين عن عمل عبر الحدود المصرية إلى "إسرائيل" ولم نكن نعلم أنّ التسلل عبر حدود الأخيرة سهلا لهذه الدرجة، إلى الطائرات الإسرائيلية التي قصفت شاحنات داخل السودان في مارس 2009، إلى اعتقال خلية تابعة لـ"حزب الله" في مصر في الفترة ذاتها تقريباً. وقبل ذلك اغتيال القيادي في "حزب الله" مغنية في دمشق مطلع عام 2008، وهو شخص اختفى اسمه من التداول نحو ربع قرن قبل اغتياله، ولازلنا حتى الآن وبعد عامين من الاغتيال لا نعرف مَن اغتاله؟ ولماذا؟ . أضف إلى ذلك الرسائل والتصريحات المفاجئة للسياسيين، ومن ذلك رسالة زعيم الحركة خالد مشعل إلى القيادة الإيرانية مطلع عام 2009، ثم زيارته للسعودية الشهر الماضي التي أكد فيها أولوية الانتماء العربي لحركة "حماس" وهي زيارة تلاها الكشف عن رسالة منه يطلب فيها اللقاء مع العاهل السعودي، لأهداف منها "المصارحة والمكاشفة.. والاستماع لأي عتب كريم منكم‏"، وفي ذات الرسالة يقول مشعل "بالنسبة للعلاقة مع إيران‏.‏ أعلم حجم القلق لديكم مما يجري في المنطقة‏،‏ ومن حقكم في المملكة ومن حق العرب جميعاً ونحن منهم وإليهم‏،‏ أن يحافظوا على أمنهم واستقرارهم وسلامة حدودهم وضمان مصالحهم‏.‏ هذا بالنسبة لنا أمر بديهي لا يحتاج إلى نقاش أو جدال‏،‏ فهذا حق كل الأمم بل واجبها‏‏". وإذا عدنا لتاريخ المفاوضات العربية/ الإسرائيلية، وأشهرها مفاوضات "أوسلو"، التي أدت للتوصل لاتفاق فلسطيني إسرائيلي عام 1993، فقد كانت سريّة، لم يعلم بها حتى جزء من الحلقة الضيقة للقيادة الفلسطينية، ولا زال الغضب من تلك السرية له تداعياته حتى الآن، فغضب الأخوين خالد وهاني الحسن استمر طويلاً والشخص الذي كان حينها الرجل الثاني في حركة "فتح" فاروق القدومي، لا زال غاضباً. وسجل المفاوضات السرية الطويل يدفع البعض للشك في أن الجمود الراهن في المفاوضات هو غطاء لمفاوضات سرية في مكان ما. والحال أن كثيراً من التحركات السرية والمفاوضات والرسائل والمواقف المتناقضة والغامضة لا يجدر أن تكون كذلك، وحتى إذا كان مقبولا أن تكون كذلك في مرحلة فلابد من توضيحها وجلاء تناقضها لاحقاً، وذلك لأن الموضوع الفلسطيني من أكثر القضايا العربية التي تشغل بال قطاعات شعبية واسعة، وكثير من خطاب الأنظمة الرسمية والحركات السياسية مرتبط بهذه القضية. ومثل تلك السرية وهذا الغموض يضفي أسباباً إضافية لشيوع حالات شعور المواطن العربي بالعجز والاغتراب النفسي وعدم القدرة على التأثير في شأنه اليومي. ومثل هذا الكم من المفاجآت يعتبر عادة بيئة مثالية لانتشار ثقافة "عقلية المؤامرة" والشك المتبادل، والإشاعات، وبث خطاب الإرهاب. غير أن الحديث عن إنهاء السرية والمفاجآت يبدو عبثياً، والدعوة لجهد عربي رسمي حقيقي لفرض التوصل لتسوية فيها الحد الأدنى من الحقوق العربية الفلسطينية يبدو خياراً أقرب، وسبيلا أكثر احتمالا لمناخ سياسي وتنموي عربي أفضل. د. أحمد جميل عزم