آخر ما يفكر به المرء أن مقبرة "توت عنخ آمون" سرقت في قسم كبير منها، ليس من لصوص الماضي، بل من أبطال المستقبل، على يدي المكتشف الأسطوري "هوارد كارتر" الذي لمع نجمه حين أعلن عن كشف مقبرة بكر! منح هذا البطل الدكتوراة الفخرية، واستقبله الرئيس الأميركي "كولديدج". أما عالم الآثار الألماني الشهير "باينليش" من جامعة فورتسبرج، فقد أطنب في مدحه فاعتبر عمله أساسا في الأمانة تقترب من المثالية! لكن المعلومات الحديثة تقول عنه إنه لم يكن لصا فحسب، بل كذابا ومخادعا ومزورا للوثائق، حين أحضر اللجنة المصرية في حفلة فتح مقبرة لم تكن بكراً قط، بل تعاقب عليها "المكتشفون" من أيادٍ شتى. تبدأ القصة عندما اعتلى شاب العرش الفرعوني ومات قبل 3300 سنة في ظروف غامضة هو ابن الثائر الديني أخناتون في الأغلب، الذي أبطل عبادة أمون ودعا إلى عبادة الشمس آتون، تزوج من أخته الكبرى وأنجبا طفلين خديجين لم تكتب لهما الحياة. كان محبا للصيد ولربما سقط من عربته ومات بتسمم دموي، لا أحد يعلم! وهناك شبهات تقول إنه قتل على يدي رئيس الكهنة الذي فاز بزوجته وعرشه. بقيت المقبرة سرا حتى جاء كارتر ففتش ونقب حتى عثر عليها، ثم سكت حوالي السنة، ليأتي بالسلطات المصرية ويخرجوا من المقبرة أكثر من خمسة آلاف من تحف القرون الخوالي. وانتشرت الإشاعات عن موت اللورد كارانارفون ممول العمل بلسعة بعوضة قيل إنها من "لعنة الفراعنة". وفي جو غائم تم تمرير الكثير من القطع الأثرية، تماما كما نهب متحف بغداد خلال اجتياحها على أيدي الأميركيين. ومما اعترفت به عائلة اللورد سرقة 11 قطعة، لكن ما يظهر بين الحين والآخر في لندن وباريس وبرلين أعظم بكثير، وهكذا فأمة مستباحة لا يتوقع منها سوى النهب المنظم لثروات خرافية من عمل القرون، لا يمكن تصنيعها ولا إعادة تصنيعها لأن التاريخ مصبوب في مفاصلها. والواقع أن سرقة المتاحف أمر يمارسه لصوص يسرقون التاريخ. ومما قرأته في هذا الموضوع عن لصوص كانوا يملؤون الحقائب بهذه التحف ويهربونها من سوريا لبيعها في "مانهايم" بألمانيا حتى ضبطتهم السلطات السويسرية، وكذلك أيضاً يحدث مع الآثار في اليمن. والسرقات أشكال وأنواع، في الأثريات والأفكار والكتب والعناوين والاختراعات والكشوفات. ومن أعجب السرقات تلك التي ضرب فيها جيمس واتسون ضربته في الكشف عن الحمض النووي، لنعرف لاحقا أنه من عمل روزاليند فرانكلين التي ماتت بسرطان الثدي دون أن يعرف أحد، والله على كل شيء شهيد. أما أديسون الشهير فكان خلف سرقة جهد تيسلا الصربي المسكين باكتشافه التيار الترددي. وقد تمت سرقة كتاب شهير لمايكل هاردت بيد كاتب عربي لا تنقصه شهرة ولا مال! أما أنا ففوجئت حين فتحت أحد مواقع الإنترنت لأكتشف سرقة عشرات من مقالاتي على يدي أحدهم، وسبحان فالق الإصباح. ولا يستبعد أن يأتي يوم تكون مقالاتي كلها تحت اسمه باعتباره فيلسوفاً عظيماً، لأنه سيكون قد سرقني وعشرات من أمثالي، ففي عصرنا لم تعد سرقة المقالات تحتاج لجهد كبير، بل فقط إلى ماوس ونسخ ثم لصق! كل ذلك من أجل شهرة ومال ونفوذ، تحركها مطامع في نفوس رخيصة. والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم.