خسارة الديمقراطيين لمقعد ماساتشوسيتس في مجلس الشيوخ ليست هي الطريقة التي كان يتمنى باراك أوباما أن يحتفل بها بذكرى مرور عام على وصوله البيت الأبيض. فأولا وقبل كل شيء هناك المسألة بالغة الأهمية والمتمثلة في التصورات السياسية. فنظرا لأن ماساتشوسيتس تعد ولاية ديمقراطية (وإن كان الجمهوريون قد شغلوا منصب حاكم الولاية فيها لـ16 عاما من الأعوام الـ19 الأخيرة)، فإن خسارة هذه الانتخابات الخاصة لشغل المقعد الذي شغله على مدى السنوات الـ46 الماضية الديمقراطي البارز إدوارد كينيدي، يمثل ضربة قوية بالنسبة للحزب. ومع استعداد كل مجلس النواب وأكثر من ثلث مجلس الشيوخ لانتخابات نوفمبر النصفية، فإن التصور الذي خلقته خسارة الديمقراطيين لسباقين انتخابيين على منصب الحاكم في ولايتين العام الماضي (نيوجرزي وفرجينيا)، والخسارة التي تكبدوها اليوم في ماساتشوسيتس، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى خلق انطباع بأن الناخبين الأميركيين بصدد الانقلاب على حزب الرئيس. وهذا لا يقلص الثقة في الديمقراطيين فقط، وإنما يقوي الجمهوريين كذلك. ولا يقل أهمية عن ذلك وقع هذه الهزيمة على الأجندة التشريعية للرئيس. فبالنظر إلى الانقسام الحزبي العميق الذي تبتلي به الحياة السياسية في واشنطن، والدرجة التي استطاع بها الجمهوريون ممارسة قدر أكبر من الانضباط على مشرّعيهم مقارنة بالديمقراطيين، فإن هذه الخسارة تمنح الجمهوريين اليوم الصوت الإضافي الذي يحتاجونه من أجل شل مجلس الشيوخ لبقية العام. ويذكر هنا أن قوانين مجلس الشيوخ تنص على أنه قبل التصويت على أي مشروع قانون، يجب على المجلس أولا أن يغلق باب النقاش، وهو أمر يتطلب موافقة 60 عضوا. وقبل هذه الخسارة في ماساتشوسيتس، كانت لدى الديمقراطيين سيطرة هشة على الأصوات الستين التي يحتاجونها. صحيح أن صوتين من هذه الأصوات كانا لعضوين يصنفان من الناحية التقنية كـ"مستقلين" (جو ليبرمان عن ولاية كونيكتيكيت، وبيرني سوندرز عن ولاية فيرمونت)، وأن أربعة أصوات أخرى كانت لأعضاء تتطلب ميولهم المحافظة توفيقا لوجهات النظر؛ إلا أنه عندما احتاج الديمقراطيون إلى 60 صوتا من أجل الدفع بنسختهم من مشروع قانون الرعاية الصحية إلى الأمام، كانت الأصوات الستون متوفرة. ولأن مشروع قانون مجلس الشيوخ يختلف عن مشروع قانون سابق للرعاية الصحية مرره مجلس النواب، فثمة اليوم بضعة طرق فقط يمكن تمرير تشريع الرعاية الصحية عبرها. فمجلس النواب يستطيع بكل بساطة أن يؤيد نسخة مجلس الشيوخ ويمررها، ويرسلها إلى مكتب الرئيس من أجل توقيعها وتحويلها إلى قانون. غير أن هذا لن يحدث على الأرجح، لأن أعضاء الكونجرس الليبراليين يعارضون مشروع قانون مجلس الشيوخ الأكثر محافظة. أما الطريقة الأخرى التي يمكن أن يتقدم بها مشروع الرعاية الصحية إلى الأمام، فتتمثل في أن يجد الديمقراطيون بعض الجمهوريين للعمل معهم من أجل التوصل إلى تسوية ما. ولأن ذلك سبق أن جُرب وفشل طيلة العام الماضي، ولأن 2010 سنة انتخابية، فإن احتمال حدوث ذلك يظل ضئيلا وضعيفا. غير أن ثمة وسائل تشريعية أخرى يستطيع الديمقراطيون استعمالها لتقليص حجم مشروع إصلاح الرعاية الصحية، وتمرير تشريع تدريجي يكتفي ببعض التغييرات الضرورية. وهذا ما سيحدث على الأرجح، لكنه بعيد كل البعد عن الإصلاح الصحي الشامل الذي وعد به الرئيس. والواقع أن ما يصدق على الرعاية الصحية قد يصدق أيضا على جزء كبير من أجندة إدارة أوباما الإصلاحية؛ ذلك أنه في ظل استقواء الجمهوريين بفوزهم، وخوف بعض الديمقراطيين من أن يكون التغيير في ماساتشوسيتس مقدمةً لكارثة مقبلة للحزب في نوفمبر القادم، فإنه قد يكون من الصعب على البيت الأبيض اليوم تمرير تشريعات حول المناخ والطاقة، أو حول الهجرة. والمثير للاهتمام في كل هذا هو الطريقة التي يشتغل بها الحزبان. فإذا نظرنا إلى الوراء قليلا، وتأملنا رئاستي ريجان وبوش الابن، فمن اللافت أنه لم تكن لديهما أبدا الأصوات الستون من أجل تمرير التشريع الذي ميز إدارتيهما؛ لكنهما كانا يبعثان برسالة واضحة، حيث انتقدا "الحكومة الكبيرة" والضرائب وأكدا سلطتهما التنفيذية. كما أن كليهما مررا خفضا مهما للضرائب أدى إلى إفلاس الحكومة ونتج عنه عجز ضخم؛ كما نجح بوش في الضغط على الكونجرس لمنحه الترخيص لخوض الحرب حين لم يكن لديه سوى 49 جمهوريا في مجلس الشيوخ. على أن مقياسا آخر لقدرة الجمهوريين على التفوق على الديمقراطيين بخصوص توجيه رسالة ما، هو الطريقة التي استطاعوا بها تصوير الديمقراطيين باعتبارهم "وضعا قائما" وتحميلهم مسؤولية مشاكل البلاد. وقد نجحوا في ذلك رغم حقيقة أن الجمهوريين كانوا يسيطرون على المجلسين طيلة 12 عاما من السنوات الـ15 الماضية، وحقيقة أن الديمقراطيين كانوا في البيت الأبيض لعامين فقط خلال العقد الماضي! وتأسيسا على ما تقدم، فالطريق الوحيد الذي يستطيع الرئيس سلكه هو الهجوم، كما فعل الأسبوع الماضي حين ضغط باتجاه أجندة أكثر شعبوية. وذلك لأنه إذا أبان الديمقراطيون عن إشارات على الخوف والاستسلام بعد خسارة ماساتشوسيتس، وعمدوا إلى تغيير أجندتهم الإصلاحية، فسيكون ثمة مزيد من الخسائر في نوفمبر؛ لكنهم إذا تصدوا للهجوم وبعثوا برسالة أوضح وأقوى، فقد يحققون شيئا ما قبل الانتخابات النصفية.