يحلو للصينيين إطلاق أسماء حيوانات على الأعوام المختلفة مثل عام القرد، أو عام الكلب، مما جعل عام 2009 مثلاً يحمل اسم "عام الثور". وإذا ما طبقنا هذا النظام من منظور طبي، وعرّفنا الأعوام بأهم الأحداث الطبية التي وقعت فيها، فسيصبح ساعتها عام 2009 هو عام إنفلونزا الخنازير. فلأول مرة منذ نصف قرن، وبالتحديد منذ عام 1968، كان الجنس البشري على حافة مواجهة جديدة وخطيرة مع وباء من فيروس الإنفلونزا. والآن، ومع حلول الساعات الأخيرة لهذا العام، يمكننا أن ننتهز هذه الفرصة لاستعراض أهم الأحداث الطبية التي وقعت خلاله، للاستدلال على طبيعة المشاكل الصحية التي أصبحت تواجه الإنسان مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وللتعرف على أنواع الحلول التي أصبحت مطروحة للتعامل معها. وتلك المشاكل وحلولها، أتت هذا العام على خلفية أزمة مالية عالمية أثرت بشكل سلبي على ما يخصصه الأفراد للحفاظ على الصحة الفردية، وما تنفقه الحكومات للتعامل مع قضايا الصحة العامة والمجتمعية. وهو ما شحذ الجهود الدولية، لإرساء نظام لدعم الدول النامية والفقيرة خلال هذه الأزمة، من خلال المساعدات المالية الصحية، وتكثيف التعاون بين المنظمات الخيرية وبين الدول النامية، من أجل حماية الاستثمارات السابقة في مجال الصحة، والحفاظ على ما تحقق سابقاً في هذا المجال. وهذا التعاون الدولي، وخصوصاً المساعدات التي تمنحها الدول الغنية للدول الفقيرة، ليس بالاختياري كما قد يبدو للوهلة الأولى، حيث أصبحت الدول الغنية تدرك بشكل عميق حقيقة أننا نعيش حالياً في عصر تعولمت فيه الأمراض المعدية، بما جعل انتقالها من دولة إلى أخرى، ومن قارة إلى أخرى، أمراً محتوماً، لا يستغرق أحياناً إلا بضع ساعات قليلة. ولذا لابد أن تبنى أي استراتيجية للدفاع وحماية المجتمعات المحلية من هذه الأمراض على مبدأ مقاومتها في المصدر، والذي غالباً ما يكون في دول نامية. ولذا يمكن النظر للمساعدات الطبية التي تقدمها الدول الغنية للدول الفقيرة على أنها استثمار في المجال الصحي المحلي، عملا بمبدأ أن الوقاية من المرض في مصدره، خير من علاجه في مقصده النهائي. وهذا الاتجاه في التعاون تمثل بشكل كبير في النسخة الجديدة من الإجراءات التنظيمية الصحية الدولية، التي تحتم على الحكومات، ووزارات الصحة، ومنظمة الصحة العالمية، الإبلاغ عن، والتعامل بشكل فوري، مع المخاطر التي تهدد الصحة العامة. وهو نظام وضع عملياً تحت أقصى ظروف الاختبار العملي مع ظهور فيروس "إن1 اتش1"، الذي أدى تزايد انتشاره وارتفاع عدد الوفيات الناتجة عنه، إلى رفع منظمة الصحة لحالة الوباء إلى الدرجة السادسة أو درجة الجائحة بحلول شهر يونيو الماضي. ومع حلول شهر سبتمبر أثمرت جهود التعاون بين المنظمة الدولية، ومراكز الأبحاث، وشركات الأدوية، إلى تطوير وتوفير تطعيمات ضد الفيروس في زمن قياسي. واستمرت بعدها جهود منظمة الصحة، على صعيد جمع التبرعات المالية لتوفير التطعيم لخمس وتسعين دولة حول العالم، لا تتحمل ميزانياتها الصحية تكلفة التطعيم الجديد، وبهدف تطعيم عشرة في المئة من مجمل سكان تلك الدول لكسر سلسلة انتقال الفيروس من شخص إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى. وهو ما عبرت عنه حينها مديرة منظمة الصحة العالمية، الدكتورة "مارجريت شان" حينما قالت: إننا نواجه بداية وباء سيؤثر علينا جميعاً، ولذا علينا مواجهته معاً، كيد واحدة. وإذا ما انتقلنا للحديث عن التعاون الدولي في مجال صحة الأطفال، فسنجد أن العام المنصرم شهد عدة مبادرات دولية لخفض الوفيات بين أفراد هذه الفئة العمرية الناتجة عن أشد الأمراض فتكاً بها مثل الالتهاب الرئوي، والإسهال، وشلل الأطفال، والملاريا. فعلى صعيد الالتهاب الرئوي مثلا، الذي يحتل رأس قائمة أسباب الوفيات بين الأطفال، نجد أن هذا المرض وحده يتسبب في وفاة 1.8 مليون طفل سنوياً ممن هم دون سن الخامسة، الغالبية العظمى منهم -98 في المئة- في ثمان وستين دولة فقط. وهو ما حدا بمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، لإطلاق مبادرة خطة العمل للوقاية من الالتهاب الرئوي، بهدف منع وفاة 5.3 مليون طفل بحلول عام 2015. أما بخصوص السبب الثاني على قائمة أسباب الوفيات بين الأطفال، أي أمراض الإسهال، فقد شرعت منظمة الصحة العالمية، مرة أخرى بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، في وضع خطة بعنوان "لماذا لا زال الأطفال يموتون؟ وماذا يمكننا عمله؟"، وتتضمن سبع نقاط أساسية في أية استراتيجية هادفة لعلاج أمراض الإسهال بين الأطفال. ويعتبر أيضاً عام 2009، من الأعوام التي شهدت اختراقاً مهماً على صعيد جهود مكافحة شلل الأطفال، تمثل في استخدام تطعيم جديد للمرة الأولى، يعتبره الكثيرون أداة حيوية في الجهود الرامية للقضاء على هذا الفيروس اللعين إلى الأبد. ولكن على رغم هذه الجهود، وتلك الاختراقات، مات أطفال كثيرون في عام 2009، وبسبب أمراض كان من الممكن وقايتهم منها بتكاليف محدودة بشكل كبير. فالملاريا مثلا، لا زالت تقتل طفلاً كل ثلاثين ثانية، أو 120 طفلاً كل ساعة، وهو ما يترجم في النهاية إلى أكثر من مليون طفل سنوياً، لن يكتب لأي منهم حضور احتفالات نهاية عام 2009، أو غيره من الأعوام القادمة. د. أكمل عبدالحكيم